وقال المفتي في حديثه لـ"سبوتنيك": "إن حصة السودان ومصر في مياه النيل يكفلها القانون الدولي صراحة في المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لسنة 1997، ولقد زعمت إثيوبيا أن تلك الاتفاقية غير ملزمة لها لأنها لم توافق عليها، وجاء الرد من محكمة العدل الدولية ICJ، التي كانت تنظر آنذاك قضية أخرى ذات صلة، والمحكمة هي الجهاز القضائي للأمم المتحدة، بأن اتفاقية 1997 تُلزم حتى الدول غير المصدقة عليها، لأن أحكامها ليست جديد بل هي القانون الدولي العرفي Customary International
Law".
وأضاف الحقوقي السوداني، "أن اتفاقية 1902 بين إثيوبيا غير المستعمرة آنذاك وبين السودان، تمنع إثيوبيا من إقامة أي منشأة مائية علي النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو السوباط، إلا بموافقة حكومة السودان، وحتى إعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015، الذي وقعته إثيوبيا مع السودان ومصر يمنعها نصا من تنفيذ أي ملء لسد النهضة، إلا بعد إبرام اتفاقية مع السودان ومصر على قواعد التشغيل والمبادئ التوجيهية، ولم يحدث ذلك حتي الآن، بل ما حدث هو العكس وأكملت إثيوبيا ملء السد الآن بقرارات أحادية، على الرغم من أن مجلس الأمن الدولي قد سبق أن وجهها بأن لا تفعل".
وأشار المفتي، إلى أن "إدعاء إثيوبيا بأن استغلال الموارد الطبيعية شأن وطني ليس صحيحا، لأن مياه النيل ليست موردا طبيعيا فحسب، بل هي مورد "طبيعي" دولي، تملكه كل الدول المشاطئة، كما أن مطالبة إثيوبيا لمصر في ردها بأن تحل تظلماتها عن طريق المفاوضات، هي مطالبة تُجافي الواقع تماما، لأن السودان ومصر ظلا يتفاوضان مع إثيوبيا منذ العام 2011، ولم تتنازل إثيوبيا عن تعنتها إلى أن اكملت تشييد السد وملئه أو أوشكت بقرارات أحادية، فاضطرت مصر إلى وقف المفاوضات في 19 ديسمبر/كانون أول عام 2023 ، ليس تعسفا، لكن لأنها اصبحت غير ذات جدوى".
وأوضح الحقوقي السوداني، "أن المناورات العسكرية التي تجريها مصر مع جمهورية الصومال، هي حق سيادي يكفله لها القانون الدولي، وإن فهمت إثيوبيا أنها المقصودة بتلك المناورات، فإنه من حق مصر القيام بكل ما هو مشروع لاجبار مجلس الأمن على اتخاذ إجراءات جبرية بموجب الفصل السابع، لحمل إثيوبيا على اتخاذ ترتيبات لتلافي ما يمكن أن يحدث من أضرار نتيجة التصرفات الإثيوبية الأحادية، ومن تلك الإجراءات العملية بعد اكتمال السد والملء والتي ندعمها بشدة، هى الإدارة الحقيقة المشتركة بموجب اتفاق يأخذ كل تحفظات السودان ومصر وإثيوبيا في الاعتبار، خاصة وأن ذلك يفضي إلى تكامل اقتصادي بين الدول الثلاث تتوفر كل مقوماته".
ولفت المفتي، إلى أن " زعم إثيوبيا ، بأن السودان ومصر يحتكران استخدام المياه، فإن ذلك يستحيل عمليا،لأن المياه تنبع في إثيوبيا وما يفيض عن حاجتها، تصرفه في السودان ومصر ، ولذلك لا أحد عاقل يمكن أن يعيب عليهما استخدام تلك المياه المنسابة نحو البحر،وإدعاء إثيوبيا بأن من حقها استخدام المياه، فإنه لا السودان ولا مصر ينكران ذلك ،وقد عبرا عن ذلك كتابة في كل المحافل الدولية ذات الصلة".
ووجّهت مصر،الأسبوع الماضي، خطابا إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، حول المرحلة الخامسة من ملء "سد النهضة".
وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في الخطاب: "رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقا صريحا لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015، والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر/ أيلول 2021".
وتابع منوها بأن "تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلا للدولة المصرية، وتمثّل استمرارا للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها، والمهدد لاستقرار الإقليم، الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها، بدلا من زرع بذور الفتن والاختلافات بين شعوب تربطها وشائج الأخوة والمصير المشترك".
وأوضح الخطاب المصري لمجلس الأمن كذلك، أن "انتهاء مسارات المفاوضات بشأن "سد النهضة"، بعد 13 عاما من التفاوض بنوايا مصرية صادقة، جاء بعدما وضح للجميع أن أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور، بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لحل، مع سعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي، والتستر خلف ادعاءات لا أساس لها، أن تلك السياسات تنطلق من حق الشعوب في التنمية".
وأضاف مُشددا على أن "مصر لطالما كانت في طليعة الدول الداعمة للتنمية بدول حوض النيل، وأن التنمية تتحقق للجميع في حالة الالتزام بالممارسات التعاونية المنعكسة في القانون الدولي وعدم الإضرار بالغير وتعزيز الترابط الإقليمي".
كما شدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، في خطابه لمجلس الأمن، على أن "السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان، وبالرغم من أن ارتفاع مستوى فيضان النيل في السنوات الأخيرة، وكذلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية، قد أسهما في التعامل مع الآثار السلبية للتصرفات الأحادية لـ"سد النهضة" في السنوات الماضية، إلا أن مصر تظل متابعة عن كثب للتطورات ومستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه".
وختم بيان وزارة الخارجية المصرية، بالإشارة إلى أن "اللجنة العُليا لمياه النيل كانت قد اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي، الأسبوع الماضي، وأكدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة".
وواصل البيان أن "اللجنة تناولت كذلك سبل تعزيز التعاون في حوض النيل، على ضوء اقتناع مصر بضرورة تضافر الجهود لاستقطاب التمويل لتنفيذ المشروعات التنموية بدول حوض النيل الشقيقة، وفقا للممارسات التعاونية المتفق عليها دوليا، بما من شأنه تكريس الرخاء والازدهار للجميع، وتجنّب الانجراف لآفاق التوتر وتقاسم الفقر، التي يمكن أن تنتج عن السياسات الإثيوبية غير التعاونية".
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أعلن في لقاء متلفز، بتاريخ 25 أغسطس/ آب الماضي، أن بناء "سد النهضة" الإثيوبي سيكتمل بناؤه بعد موسم الأمطار القادم.
ووفقا لأحمد، فإن "السد يحتوي حاليا على 60 مليار متر مكعب من المياه، ومن المتوقع أن يصل إلى 71 مليارا بحلول شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وفقا لصحيفة "أديس ستاندرد" الإثيوبية.
كما صرح رئيس الوزراء الإثيوبي، أنه "من المتوقع الانتهاء من غالبية أعمال بناء "سد النهضة" بحلول ديسمبر، مما يسمح بتشغيل ثلاث توربينات إضافية، ليصل إجمالي عدد التوربينات العاملة إلى 7".
وكانت مصر، قد أعلنت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، انتهاء مسار التفاوض مع إثيوبيا، حول سد "النهضة" دون نتيجة، مؤكدة الاحتفاظ بحقها للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرضه للضرر.
يشار إلى أن عدم التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث (مصر، إثيوبيا، السودان) أدى إلى زيادة التوتر السياسي فيما بينها، وإحالة الملف إلى مجلس الأمن الدولي، الذي عقد جلستين حول الموضوع، دون اتخاذ قرار بشأنه.
وبدأت إثيوبيا في تشييد سد "النهضة" على نهر النيل الأزرق، عام 2011، بهدف توليد الكهرباء.
وتخشى مصر أن يلحق السد ضررا بحصتها من المياه، والتي تحصل على أغلبها من النيل الأزرق، فيما تتزايد مخاوف السودان من تضرر منشآته المائية، وتناقص حصته من المياه.