سيدة سورية تعيد إحياء "الطباعة الحموية" المهددة بالاندثار بعد ألفي عام من الازدهار... فيديو

تكافح السيدة السورية سعاد جروس، لإبقاء "الطباعة اليدوية" على القماش فوق سرير الإنعاش التاريخي، بالرغم من التراكم الهائل للمسوغات الموضوعية لاندثارها.
Sputnik
هذه الطباعة التي لطالما اشتهرت بها مدينتها حماة وسط سوريا، وتكنت باسمها، كافحت الزوال لأكثر من ألفي عام، إلا أن انطلاق شرارة الحرب على سوريا عام 2011، تمكنت منها بعدما اختطفت ما بقي لها من "شيوخ كار" تدوالتها عائلاتهم عبر العصور، فقذفت بهم خارج البلاد، إيذانا باندثار هذه الصناعة كليا في مدينتي حلب ودمشق، مع محاولات حثيثة للبقاء على قيد الحياة في حماة.
عبر مبادرة "ولفي" الذي نذرته للحفاظ على ما تبقى من (الطباعة الحموية على القماش بقوالب خشبية)، تحاول الباحثة جروس إيقاظ "طائر الفينيق" المثخن بجراح الاندثار، بعدما خسرت جميع حرفييها إلا واحدا لا يزال يمارسها توارثا من أجداده القدماء، ممهدا الطريق أمام بقائها حكرا على محافظة حماة، دون سواها.
وقالت جروس لـ"سبوتنيك":

نعكف على إحياء "الطباعة الحموية" وفق صياغة عصرية، لكن دون التضحية بجوهر هذا الإرث، يتلخص هدفنا بتحويل هذا الفن التاريخي إلى لغة بصريّة تختزن جمالها الأخاذا أصيل الانتماء.

مهنة غارقة بالأصالة.. تتلاشى

تعد "الطباعة اليدوية اليدوية على القماش" من الحرف النادرة حول العالم، وقد عرفتها سورية قبل الميلاد، وما تزال تمارس بالوسائل البدائية ذاتها، وهي تعتمد على الكتل الخشبية والحبر المصنوع من مكونات طبيعية، ويرتبط سلسلة من المهن المكملة، كالطباع، والصباغ، وحافر القوالب.
سيدة سورية تتصدى لإحياء "الطباعة الحموية" المهددة بالاندثار بعد ألفي عام من الازدهار
وتصنع قوالب الطباعة من خشب صلب، كالأجاص، والبلوط، والجميز، والصفاف، والشوح والزيزفون، أما مصادر ألوانها فهي الصبغات الحمضيّة والقلوية والمثبتة، والكبريتيّة وغيرها، كما تحتاج هذه الصبغات إلى مواد تثبيت من مصدر نباتي أو حيواني أو ترابي، فيما الأقمشة المستخدمة في الطباعة فتتنوع بين القطن، الحرير الطبيعي، الحرير الصناعي.
وقالت السيدة جروس:

الطباعة على القماش مهنة عريقة في حماة، تعود إلى مئات السنين، وهي متكاملة مع صناعة النسيج التي كانت مزدهرة في المحافظة حتى ثلاثينات القرن العشرين، لذلك حاولنا الحفاظ على روح الطباعة العفوية من دون تصميمات أو مخططات رسم مسبقة، وبعث الرسوم الحموية التقليدية حية على الملابس النسائية والرجالية والشالات والأكياس القماشية.

سيدة سورية تتصدى لإحياء "الطباعة الحموية" المهددة بالاندثار بعد ألفي عام من الازدهار
وأضافت: "محافظة حماة كانت تستحوذ على 20 طبّاعا على القماش في عشرينيات القرن الماضي، إلا أن تطور الطباعة الصناعية على القماش، قلّص أعدادهم إلى 3 فقط، كانوا ينشطون في الأسواق السياحية حتى العام 2011، أما اليوم، فقد خرج منهم اثنان، ولم يبق سوى عائلة (حسان حوّا) تواظب في عملها على هذا الفن التراثي".

لم يقتصر تدهور هذه المهنة التراثية في حماة فحسب، وإنما في سوريا كلها، إذ أن الطباعة على القماش اندثرت كليا من دمشق ولم يعد من السهل استعادتها في المدى المنظور، فيما تكافح محافظة حلب حاليا لإعادة إحيائها.

سيدة سورية تتصدى لإحياء "الطباعة الحموية" المهددة بالاندثار بعد ألفي عام من الازدهار
وتؤكد جروس أن اسم "ولفي" جاءت من "الولف أو الوليف" الذي تغنت به أهازيجنا وأغانينا التراثية، فهو الآخر الذي تسكن الروح إليه فلا نشعر معه بالغربة، والعلاقة معه أعمق من الحب وحتى العشق، هي علاقة الأمان والألفة والدفء بما تعنيه من ديمومة، فيما ومنتج "ولفي" وليف الإنسان والبيئة، في زمن باتت معظم ملابسنا مصنوعة من المواد المصنعة.

وشددت السيدة الحموية على أن الخامات المتداخلة من القطن واللون والخشب الطبيعي وروح الماء، تتآلف فيما بينها لتشكل توليفة تراثية مميزة منتقاة بكثير من التوافق والانسجام، حيث تفترش الأقمشة بطريقة متناغمة، وتخلق حالة من التوازن والحركة بين الكتلة المتمثلة بالأشكال والخطوط وبين الفراغ المحيط بها.

نكافح للبقاء على قيد الحياة

تتطلع منسقة مبادرة "ولفي" إلى حماية حرفة الطباعة اليدوية من الزوال، إقله في مدينتها حماة، وهي لذلك لجأت إلى فنانين تشكيليين لإغناء الرسوم التقليدية للطباعة على القماش، برسوم وتشكيلات معاصرة، دون الإخلال بتراثيتها.
سيدة سورية تتصدى لإحياء "الطباعة الحموية" المهددة بالاندثار بعد ألفي عام من الازدهار
إلا أن ثمة معوقات بنيوية تعاكسها في مسعاها، فمع تلاشي قدرة الأسواق على استيعاب المنتج تبعا للقدرة الشرائية المتردية التي يعانيها السواد الأعظم من السوريين بسبب الحصار، الأمر الذي تعول السيدة جروس على تعافي الاقتصاد الوطني وعودة القطاع السياحي كما كان عليه قبل الحرب، لتسويق منتجها بين السياح من خارج البلاد.
وقالت السيدة جروس:

إنتاجنا الآن يتم في ظروف غير تقليدية، كما أن تسويق المنتج هو الأخر يعاني ظروقا قاسية جراء غياب زبائن التراث... بالمختصر، نحن الآن نحاول أن نبقى على قيد الحياة.

"ولفي" مشروع لحماية التراث

تتميز رسوم الطباعة الحموية بأنها مستوحاة من البيئة المحلية مع إضافات جديدة لبعض الرسوم، منها شخصيات تراثية كـ"سيرك أبوعباس الشعبي"، وهو شخصية غريبة الأطوار لا تزال حاضرة في ذاكرة أهل حماة، إضافة إلى نقوش للغة السريانية التي وجدت على مخطوط مقدس عثر عليه في إحدى كنائس المدينة التاريخية، كما تحضر الموسيقى أيضاً في هذه المنتجات من خلال نقش شكل "الربابة" ودلالات على غناء العتابا.
سيدة سورية تتصدى لإحياء "الطباعة الحموية" المهددة بالاندثار بعد ألفي عام من الازدهار

وأكدت السيدة جروس أن مشروع "ولفي" يحمل على عاتقه رسالة حماية التراث السوري من خلال صون حرف ومهن أجدادنا وإعادة العمل بها بحب وبأسلوب عصري بسيط.

تستذكر السيدة جروس العصر الذهبي لهذا التراث الذهبي أيضا: "في تسعينيات القرن الماضي، جرى ابتكار الطباعة بثلاثة ألوان ما جذب انتباه السياح ونشط العمل بشكل واسع، الى أن اندلعت الحرب الإرهابية التي سحقت الحرفيين كما غيرهم من السوريين، وها نحن اليوم نحاول عبر "ولفي" إعادة الروح إلى الطبّاعين والطباعة في آن معا".
مناقشة