ويعيش الفلسطينيون النازحون في قطاع غزة، في مخيمات مكتظة، وأفادت الأمم المتحدة بأن "9 من كل 10 أشخاص في قطاع غزة، نزحوا لمرة واحدة، منذ بدء الحرب"، مقدرة عددهم بنحو 1.9 مليون فلسطيني من سكان القطاع البالغ عددهم قرابة 2.4 مليون نسمة تقريباً.
عام من الحصار والنزوح
فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على قطاع غزة، في 9 من أكتوبر 2023، في أعقاب يومين من بداية عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها الفصائل الفلسطينية، وقد شمل الحصار منع دخول الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء، وقالت إسرائيل إن "رفع الحصار عن غزة لن يتمَّ إلا بعد عودة الرهائن الذين اختطفتهم حماس".
وبعد عام من الحصار يعيش قرابة 2 مليون نازح في منطقة محاصرة لا تتجاوز 40 كيلومتراً مربعاً، داخل خيام لا تقي من حرارة الصيف ولا من برد الشتاء، ، وتبلغ عدد خيام النازحين 135 ألف خيمة منها 100 ألف خيمة مهترئة تماما، وفقا لبيانات المكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة.
ويستذكر النازحون بعد عام من الحصار، ما حدث معهم في رحلة طويلة وشاقة ومستمرة من الحصار والنزوح والحرب، وداخل خيمة مهترئة على شاطئ البحر في خان يونس جنوب القطاع.
تتذكر النازحة أم جهاد، ماذا فقدت خلال الحرب، وتقول لوكالة "سبوتنيك": "لقد كنت أعيش مع زوجي وأولادي في عبسان الجديدة شرق خان يونس، وكان لدينا بيت متواضع لكنه جميل، وكنا قد بنينا بيت ثاني جميل وكبير تم الانتهاء منه قبل الحرب بعدة أيام، ولقد دمر الاحتلال البيت الأول والبيت الجديد، وبدأنا في حالة من النزوح لا تنتهي، فلقد نزحنا 16 مرة لغاية اليوم، ووصلنا إلى البحر، وماذا بعد لا نعرف، وفقدنا عدد كبير من أقاربنا، وبقي زوجي المريض وأبنائي 3 منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة".
عام من الحصار والنزوح المتكرر يفاقم حياة الغزيين صعوبة ومشقة
© Sputnik . Ajwad Jradat
أم جهاد ترعى أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، يحتاجون إلى رعاية خاصة، لكنها لا تستطيع أن تقدم لهم إلا الحد الأدنى، وقد أصيبوا بسوء التغذية، بسبب الحصار وقلة المساعدات الإنسانية التي تصل إلى قطاع غزة.
وأضافت أم جهاد: "في النزوح الرابع، كان أصعب موقف واجهته خلال الحرب، نزحت مع أطفالي لوحدي، بعدما تفرقت عن زوجي بسبب القصف العنيف علينا، وكنت أمشي بدون هدى، لا أعرف إلى أين أذهب، وأطفالي يصرخون، وهم من ذوي الهمم، لا يستطيعون تحمل كل هذه الأهوال، والمسافة كانت كبيرة جدا".
وتابعت: "نعيش ظروف صعبة للغاية، زوجي مريض واليوم خرج من المشفى ولا يستطيع التحرك، وأولادي يحتاجون للتغذية، والحصول على الماء والطعام بات صعب، وأبني الكبير يعمل في خياطة الأحذية، وتمر علينا أيام لا نجد الخبز، وأولادي الثلاثة من ذوي الاحتياجات الخاصة يطلبون الطعام، ولا أعرف كيف أقنعهم بالصبر حتى نتمكن من جلب ما يسد رمقهم، في ظل غلاء الأسعار، وحصار على دخول المساعدات، وأتمنى أن تنتهي الحرب ونشعر بالأمان ونعود إلى بيتنا، لكي نعيش ولو على الركام".
ويصف كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في غزة، في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية جوناثان ويتال، العام المنصرم بأنه "كان عاما من الدمار والتشريد واليأس في غزة، لقد دُمرت غزة بالكامل".
وأكد أنه "من المستحيل وصف الدمار الذي حل بغزة، لقد نزح جميع سكان غزة تقريبا، وتم دفعهم إلى 13 في المائة فقط من إجمالي مساحة قطاع غزة، وكل غزة تحتاج إلى مساعدات إنسانية للبقاء على قيد الحياة".
عام من الحصار والنزوح المتكرر يفاقم حياة الغزيين صعوبة ومشقة
© Sputnik . Ajwad Jradat
محمود عنابة، يعيش ما عائلته على شاطئ البحر في خان يونس، في خيمة مهترئة بعدما فقد الأمل في العثور على مكان أفضل، ولقد نزح مع من تبقى من أفراد عائلته، ويقول محمود لوكالة "سبوتنيك": "كنت أعيش في شقة كبيرة قبل الحرب، مساحتها تتجاوز 200 مترا مربعا، واليوم أعيش في خيمة غير صالحة مع 7 من أفراد عائلتي، وقد فقدت 5 من أسرتي خلال الحرب، وهناك مفقودين من أقاربي لا نعرف مصيرهم".
وتابع: "كل معاني العذاب رأيناها، كانت رحلة من الموت، نزحنا 7 مرات لغاية الآن، وفي النزوح الثالث خرجنا تحت القصف، ولم نستطيع أن نأخذ معنا شيء، وكانت القذائف تسقط بجانبنا وكنت أتوقع الموت في أي لحظة، والحمد لله نجونا بفضل الله، والآن ظروفنا صعبة للغاية، المياه الصالحة للشرب غير متوفرة، ونضطر لاستخدام مياه البحر، والطعام شحيح، وهناك حصار مستمر وغلاء في الأسعار، وتمر أيام لا نجد أبسط مقومات الحياة، ونعيش على شاطئ البحر في خيمة مهترئة، ولا أستطيع تأمين غيرها، والشمس تحرقنا في النهار، وفي الليل يجلدنا البرد، والمطر يدخل علينا، وقد تمزق سقف الخيمة، ونحن على أبواب الشتاء، لا نعرف كيف نستعد، فسنغرق إن بقينا على هذه الحالة".
ومع اقتراب فصل الشتاء، يواجه الآلاف من قاطني الخيام القريبة من الساحل بمدينتي دير البلح وخان يونس مخاطر تعرض خيامهم للغرق، بالإضافة إلى فيضان مياه الصرف الصحي، مع تدمير الجيش الإسرائيلي للشوارع والبنى التحتية، ما سيؤدي لتجمّع مياه الأمطار، وفيضان برك تجميع المياه واختلاطها بالمياه العادمة.
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، إن نحو "305 كيلومتر مربع أي ما يقرب من 84 في المئة من مساحة قطاع غزة، خضعت لأوامر إخلاء صادرة عن الجيش الإسرائيلي".
وأضاف المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، فيليب لازاريني، أنَّ "الحرب على قطاع غزة بعد مرور عام أصبحت كابوسا لا نهاية له"، مشددا على أن القطاع بات مكانا "غير صالح للعيش".
وقال المسؤول الأممي: "سكان قطاع غزة يواجهون الأمراض والموت والجوع، وإنَّ جبال القمامة ومياه الصرف الصحي تملأ الشوارع، والسكان محاصرون في 10 في المئة فقط من الأرض، وعلى مدار عام في حالة تنقل دائم بحثا عن الأمان الذي لم يجدوه أبدا".
ويواصل الجيش الإسرائيلي حربه على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفي اليوم الـ 369 ارتفع عدد القتلى منذ بداية الحرب على القطاع، إلى 42,010 قتيل غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة و79,720 آخرين.
وفي 7 أكتوبر، شنّ مقاتلون من حماس هجوما على جنوب إسرائيل أدى لمقتل 1200 إسرائيلي، وفقا لبيانات إسرائيلية رسمية، ورداً على هجوم حماس، تعهدت إسرائيل بـ"القضاء" على الحركة، وتقول إسرائيل إن 130 أسيراً ما زالوا محتجزين في غزة، بينهم 30 ماتوا، من إجمالي 250 شخصاً خطفوا في 7 أكتوبر.