شغف الحياكة يحقق النجاح... حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية

يمتلك الأمازيغ في ليبيا تراثاً غنياً بالنقوش والفنون، التي تعكس هويتهم الثقافية العميقة، إذ تتميز هذه الفنون بتنوعها وألوانها الزاهية، التي تستخدم في تزيين الأزياء والأدوات المنزلية والمباني.
Sputnik
النقوش الأمازيغية ليست مجرد زخارف، بل تحمل رموزاً ومعانٍ تاريخية تعكس قصصاً عن الحياة، الطبيعة والمعتقدات الروحية، كما أن الحرف اليدوية التقليدية مثل الحياكة وصناعة الفخار والمجوهرات ما زالت جزءًا أساسياً من التراث الأمازيغي، حيث يتم تناقل هذه المهارات من جيل إلى جيل، لكي يسهم الحفاظ على هذه الفنون في تعزيز الهوية الثقافية للأمازيغ في ليبيا، ويجذب اهتماماً متزايداً من المهتمين بالثقافة والتراث في العالم.

الحكاية

تعزيز الحصايري البالغة من العمر 32 عامًا، هي امرأة ليبية من مدينة زوارة التي تقع في أقصى غربي ليبيا، وقد حققت نجاحًا بارزًا في مشروعها الخاص بالحياكة وتفصيل الأزياء التقليدية، والذي أطلقت عليه اسم "نانا ازوت"، على الرغم من أن دراستها الأكاديمية بعيدة كل البعد عن هذا المجال، إذ تحمل شهادة ماجستير في الإعلام الرقمي، إلا أن شغفها بفن الحياكة والتراث التقليدي الليبي دفعها إلى اتباع هوايتها وتحويلها إلى مشروع ناجح.
تداعيات خطيرة...ما حقيقة تحرك أمازيغ ليبيا لإقامة إقليم رابع؟
ما يميز الحصايري هو قدرتها الفريدة على الجمع بين الحداثة والتراث، حيث تمزج بمهارة تقنيات الحياكة التقليدية، التي تعود إلى الأجيال السابقة مع لمسات من الأزياء المعاصرة، هذا التوازن بين القديم والجديد يمنح تصاميمها طابعًا مميزًا يجذب الأنظار ويحظى بإعجاب الكثيرين.
بالنسبة لتعزيز، لم يكن مشروع "نانا ازوت" مجرد وسيلة لتحقيق الربح، بل كان بمثابة رسالة حب ووفاء لتراثها الزواري العريق والمتنوع من خلال عملها، إذ تسعى لتعزيز الهوية الثقافية وإبراز جمال الفلكلور الليبي بطريقة عصرية تلائم الأذواق الحديثة.
بالرغم من التحديات المتزايدة في سوق يشهد منافسة قوية، إلا أن تعزيز أظهرت إصرارًا وإبداعًا لافتين، ما جعل من "نانا ازوت" علامة فارقة تجسد التراث الليبي بأبهى حلة، بالإضافة إلى اهتمامها البالغ بالتفاصيل وجودة الإنتاج العالي، أكسباها تقديرًا واسعًا، لم يقتصر على زوارة فحسب، بل امتد ليشمل مناطق أخرى في ليبيا أيضًا.
واستطاعت الحصايري أن تبرز بإصرارها وإبداعها اللافتين، وتحويل "نانا ازوت" إلى علامة فارقة تجسد التراث الليبي بأبهى صوره، إذ لم يكن اهتمامها بالتفاصيل الدقيقة وجودة الإنتاج العالية مجرد عوامل نجاح فحسب، بل أسهمت في كسب تقدير واسع تجاوز حدود مدينة زوارة ليصل إلى مختلف أنحاء ليبيا.
1 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
2 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
3 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
4 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
5 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
6 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
7 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
8 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
9 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
10 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
11 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
12 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
13 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
14 / 14
حكاية فتاة أمازيغية من ليبيا تصنع الملابس من النقوش التقليدية
وقالت الحصائري في تصريح خاص لـ"سبوتنيك": "من هنا جاءتني فكرة "نانا ازوت". كنت دائمًا أبحث عن شيء أحبه وأستطيع العمل عليه بشغف. بدأت أخيط الزي التقليدي شيئًا فشيئًا".
وأضافت: "رحلتي بدأت عندما اشتريت آلة خياطة وبدأت بصنع أشياء بسيطة، تعلمت مهارات الحياكة تدريجيًا، وبحلول عام 2024، أصبح لدي مشغل خاص بي، بدأت في تلقي الطلبات وتصنيع وتطريز الملابس التقليدية، كما بدأت بالتعامل مع عملاء جدد لبناء الثقة وتعزيز سمعة مشروعي".

النقوش الأمازيغية

أحد أبرز ما ركزت عليه الحصايري، في عملها، هو النقوش الأمازيغية، المعروفة باسم "تمنكاش"، والتي كانت الأجيال السابقة، وخاصة الجدات، تقوم بوشمها على أجسادهن. كل رمز من هذه الرموز يحمل دلالة خاصة ترتبط بشكل مباشر بالثقافة الأمازيغية وشمال أفريقيا بشكل عام.
لا تقتصر الحصايري، في عملها على الأزياء الأمازيغية فحسب، بل توسعت لتشمل تصاميم مستوحاة من أزياء شمال أفريقيا بأكملها، التي تعبّر عن البهجة والفخر لدى السكان المحليين.
إلى أين سيصل الخلاف الأمازيغي في ليبيا بعد التوترات الأخيرة التي شهدتها البلاد؟
ومن خلال هوايتها في التصميم، تحرص الحصايري، على تنسيق الرموز والمطرزات بما يتناسب مع الأعمار والمناسبات المختلفة، فهي ترى أن الفتيات الصغيرات لا يرتدين مثل الكبار، والعرائس يختلفن عن غيرهن، وذلك لأن لكل مناسبة ما يليق بها.

الزي الأمازيغي

تعتبر العرائس الأمازيغيات في زوارة من أكثر الملتزمات بارتداء الزي التقليدي، الذي يعد رمزاً للأصالة والتراث في المدينة، هذا الزي يعتمد بشكل كبير على القماش المزخرف بالنقوش الأمازيغية، ويشمل ارتداء القميص التقليدي. تفاصيل اللباس تتنوع وفقاً لنوع المناسبة، كما يؤخذ في الاعتبار عمر الفتاة أو المرأة، خاصة خلال أيام العرس.

محاولات

وأوضحت الحصايري، أنها لم تعرض فنها ومنتجاتها خارج ليبيا، لكنها شاركت في العديد من المعارض والفعاليات المحلية، من أبرزها معرض "التمكين الاقتصادي"، وأي فعالية تهتم بالحياكة والأشغال اليدوية. بالإضافة إلى ذلك، شاركت في جمعيات التراث المحلية، وكان من بين مشاركاتها هذا العام معرض طرابلس الدولي ومعرض "التمكين الاقتصادي للمرأة" في أرض معرض طرابلس الدولي.
مجلس أمازيغ ليبيا يحذر من الدخول في حرب أهلية
كما شاركت في مسابقة "رائدات 2020" التي نظمها خبراء فرنسا في مدينة الزاوية، غرب العاصمة طرابلس، حيث حققت المركز الأول.
يتكون فريقها من فتاتان ضمن فريق صغير، الأولى مسؤولة عن الرد على الرسائل والمكالمات، والثانية تقدم لها المساعدة في أوقات الذروة، خاصة عندما يزداد الطلب على النقوش والملابس التقليدية والمواسم والأعياد والأعراس.

تحديات

تواجه الحصايري، صاحبة مشروع "نانا ازوت" للحياكة وتفصيل الأزياء التقليدية، تحديات متعددة في مجال المشاريع الصغيرة من أبرز هذه التحديات هو توفير مستلزمات العمل، إذ تضطر لشراء الإكسسوارات والمواد الخام بأسعار الجملة لتلبية احتياجاتها، إلا أن بعض القطع الضرورية لا تتوفر دائمًا في الأسواق المحلية".
واعتبرت أن هذا النقص يؤدي إلى تأخير في تلبية الطلبيات، ما يضعها في مواقف حرجة مع عملائها. إضافة إلى ذلك، فإن تقلب الأسعار وعدم استقرارها يشكل عقبة في تحديد تسعيرة ثابتة لمنتجاتها، ما يزيد من صعوبة إدارة التكاليف.
تهديدات وبيانات من أمازيغ ليبيا ضد حكومة الوحدة الوطنية
كما أن عدم امتلاكها لمحل بيع رسمي يعقد الأمور أكثر، حيث يعتمد نشاطها بشكل كبير على طلبات العملاء عبر الإنترنت أو المعارف، مما يحد من انتشار منتجاتها على نطاق أوسع.
فيما يتعلق بالتسويق، تواجه تعزيز صعوبات إضافية، حيث يتطلب العرض والترويج لمثل هذه المنتجات الفنية فريقًا متكاملًا وميزانية مخصصة للتصوير الاحترافي والتسويق الفعال.
أحد التحديات الكبرى الأخرى هو التفاوض مع العملاء حول الأسعار، فغالبًا ما يعتقد الزبائن أن المنتجات المحلية يجب أن تكون رخيصة الثمن، غير مدركين للجهد الكبير والأفكار المبتكرة التي تُبذل في صناعة هذه المشغولات، فضلًا عن الجودة العالية التي تسعى تعزيز لتقديمها.
بهذه التحديات مجتمعة، تستمر تعزيز في النضال للحفاظ على مشروعها وتطويره، ملتزمة بإنتاج قطع فنية تعكس التراث بجودة عالية رغم الصعوبات.
كما إنها تعمل على إنتاج القبعات والشالات الخاصة بالخريجين خلال مواسم التخرج، وهو نشاط موسمي يتزامن مع احتفالات التخرج، بالإضافة إلى ذلك، تقوم بصناعة الحقائب المزينة بالرموز الأمازيغية التقليدية، التي تتميز بجودتها العالية ومتانتها.
تعرضت للكثير من الانتقادات حول مشروعها، حيث وُجهت لها أسئلة متكررة حول ابتعادها عن تخصصها الأكاديمي ولماذا اختارت العمل في مجال الحياكة، ورغم ما واجهته من إحباطات وسلبية، إلا أنها لم تتأثر وظلت متمسكة برأيها بأن هذه الحرفة هي امتداد لما كانت تقوم به الأمهات والجدات.
ليبيا... حكومة "البرلمان" ترفض استخدام القوة في الغرب ومجلس الأمازيغ يحذر من تحرك عسكري
وأوضحت "في البداية، كنت أشعر بالضغط عندما كنت أبدأ في العمل على مشاريع جديدة، كنت أحرص على إظهار كل ما أعمل عليه للناس، وكان هناك دائمًا تعليقات ونقد دقيق، من الطبيعي أن يخطئ المبتدئ في بعض الأمور، لكن بعد فترة، حصلت على دعم لم أشهده من قبل، خاصة من أمي. كانت دائمًا تقف بجانبي، حتى عندما أخبرها أنني أحتاج لخياطة شيء ليس له عائد مادي، كانت ترد علي بعبارات مشجعة، وكأنها تقول لي "لا يهم، سأساعدك".
أما والدها فكان يشجعها على الخياطة ويعتبرها شيئًا نبيلًا، ويدعمها في تطوير هذه الهواية التي تحمل طابعًا قديمًا، عائلتها كلها تشجعها، وكلما عرضت تصميمًا عليهم، كانوا يثنون عليها ويشجعونها على تقديم الأفضل.
على الرغم من أن السنة الأولى كانت صعبة عليها من ناحية الدعم، إلا أنها الآن تشعر بأنها تمتلك العمود الفقري لهذا المشروع، تعاني قليلاً من الرهاب الاجتماعي، لأنها لا تحب الزحام وتشعر بالتوتر في المحلات.
مناقشة