زيارات دبلوماسية أوروبية إلى شرق ليبيا...تعزيز المصالح وتباين المواقف

قامت وفود رسمية من دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا، بزيارات رسمية إلى شرق ليبيا في الفترة الأخيرة، حيث عقدت لقاءات مع الأطراف السياسية الفاعلة هناك.
Sputnik
تأتي هذه الزيارات في إطار جهود هذه الدول لتعزيز مصالحها في المنطقة، خاصة مع تركيز إيطاليا على ملف الهجرة غير الشرعية وسعي فرنسا إلى تعزيز نفوذها في ليبيا بعد خسارتها لمواقع استراتيجية في أفريقيا.
تعد هذه الزيارات جزءًا من سلسلة تحركات دبلوماسية أوروبية تجاه ليبيا، إلا أن المراقبين يشيرون إلى وجود تباين في مواقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه حل الأزمة الليبية، حيث يتخذ كل طرف توجهات تخدم مصالحه الوطنية.

مواقف متناقضة

في الإطار، قال المحلل السياسي جمال شلوف إن زيارات دول الاتحاد الأوروبي تأتي في إطار سعي هذه الدول، سواء بشكل فردي أو جماعي، إلى إيجاد دور لها في الأزمة الليبية، خصوصًا مع تصاعد التأثير الأمريكي في هذا السياق، وتحديدًا فيما يتعلق بأزمة المصرف المركزي الليبي.
وأضاف شلوف في تصريحه لـ"سبوتنيك": "هذا الوضع دفع الدول الأوروبية لمحاولة لعب دور دبلوماسي بهدف الوصول إلى حل، في ظل الجهود الأمريكية التي يقودها المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، وكذلك ستيفاني خوري، ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، من أجل التوصل إلى حوار سياسي يفضي إلى حل يتمثل في حكومة موحدة تحت رعاية أمريكية خالصة لذا، فإن أوروبا تسعى لإيجاد موطئ قدم في هذه العملية".
الاتحاد الأوروبي يعزز تحركاته شرقي ليبيا فما هي أهدافه؟
وأشار إلى أن الإصرار على دعم حكومة الوحدة الوطنية وتسميتها "الحكومة المعترف بها دوليًا" يتجاهل أن عبد الحميد الدبيبة كان السبب الرئيسي في فشل الانتخابات عام 2021، وذلك بسبب إصراره على الترشح رغم تعهده بعدم القيام بذلك بحضور ممثلي الدول لذلك، فإن الحديث عن الانتخابات مع استمرار التعاون مع الدبيبة بعد انتهاء ولايته هو مجرد سخرية.
وأوضح شلوف أن هذه الدول الأوروبية تحاول استعادة دورها في ليبيا في ظل الجهود الأمريكية للعودة إلى الساحة الليبية عبر حوار أو حل برعاية أمريكية.
وأكد أن الأوروبيين فقدوا الكثير من مصالحهم في ليبيا، خاصة مع استمرار تعاملهم مع التشكيلات المسلحة في الغرب، ما أدى إلى توتر علاقاتهم مع شرق ليبيا، واليوم يسعون للقيام بخطوات تعيد لهم التأثير في المشهد الليبي.
وقال إن محاولات أوروبا للعب دور في ليبيا تأتي على أساس كونهم شركاء في البحر المتوسط، ولكن في الواقع هي محاولات لاستغلال الفرص التي فقدوها سابقًا.
وأعرب عن شكه في نجاحهم في لعب دور مؤثر في الحل الليبي القادم، نظرا لأنهم لم يضعوا في اعتبارهم مصلحة ليبيا وشعبها.
هل تجد فرنسا قبولا لها في شرق ليبيا؟

استغلال الفرص

فيما يرى المحلل السياسي حسام الدين العبدلي أن زيارات بعض سفراء دول الاتحاد الأوروبي إلى شرق ليبيا ليست جديدة، لكنها هذه المرة تكشف عن تقارب بين إيطاليا وفرنسا يركز بشكل أساسي على مصالحهما الخاصة، خاصة في مجالات النفط والغاز والطاقة، ولا يبدو أن هاتين الدولتين تهتمان بحل الأزمة السياسية أو إنهاء الانقسام السياسي في ليبيا.
وتابع العبدلي في تصريح خاص لـ"سبوتنيك"، رغم أن الانقسام السياسي قد يؤثر سلبًا على مصالحها في ليبيا، إلا أن إيطاليا وفرنسا لا تعتبران إيجاد حل للأزمة الليبية أولوية بالنسبة لهما، بل تركزان على حماية مصالحها الاقتصادية فقط.
وفيما يتعلق بدور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يشير العبدلي إلى نجاح البعثة في تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد، وهو ما يعتبر خطوة هامة نحو استقرار المؤسسات الليبية.
ويرى أن هذه النجاحات قد تدفع البعثة للعمل على تحقيق تقدم أكبر مثل الوصول إلى انتخابات وتشكيل حكومة موحدة، وهو أمر تدركه كل من إيطاليا وفرنسا.
محلل سياسي ليبي: إيطاليا تبحث عن مصالحها وليس لديها نية لحل الأزمة في ليبيا
كما يلفت النظر إلى التحركات الأخيرة للسفير الفرنسي مصطفى المهراج في شرق وغرب ليبيا، معتبراً أن هذه التحركات ليست في مصلحة ليبيا. ويرى أن الساسة الليبيين في كلا المنطقتين يدركون تماماً ما يجري في الساحة الدولية، خاصة التحركات الأوروبية بقيادة فرنسا وإيطاليا.
وأكد أن الليبيين أصبحوا أكثر وعيا بالواقع السياسي، وأن أي حكومة موحدة قد تتشكل في المستقبل ستكون نتيجة جهد ليبي بدعم من البعثة الأممية، مع إمكانية فرض بعض الشروط من قبل فرنسا وإيطاليا.
وفيما يتعلق بجهود البعثة الأممية، يعتقد أن المبعوثة الأممية ستيفاني خوري، تسعى إلى استغلال نجاحاتها الأخيرة، خصوصاً فيما يتعلق بالمصرف المركزي، لدفع العملية السياسية والعسكرية نحو الأمام، ويشير إلى اجتماعاتها مع أعضاء لجنة 5+5 العسكرية، حيث حضرت مع عدد من السفراء الأوروبيين بهدف الحصول على دعم دولي لتوحيد المؤسسات العسكرية والسياسية في ليبيا، وصولاً إلى تشكيل حكومة موحدة.
وأوضح أن خوري تسعى جاهدة لتحقيق حكومة موحدة تتيح لليبيا إجراء انتخابات، بينما التحركات الفردية من قبل فرنسا وإيطاليا خارج إطار الأمم المتحدة تركز على تحقيق مصالح اقتصادية، خصوصاً في مجال تدفق الطاقة إلى البحر المتوسط.
إلى أين تصل تحركات سفير الاتحاد الأوروبي في ليبيا؟

البحث عن نفوذ

أشار المحلل السياسي إدريس احميد في تصريح خاص لـ"سبوتنيك" إلى أن سفراء الاتحاد الأوروبي لم يتوقفوا عن زيارة شرق ليبيا وعقد لقاءات مع الأطراف هناك في عدة مناسبات، ما يعكس اهتمام الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وإيطاليا، بمصالحها في المنطقة.
ويرى أن كل دولة تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة، وهو ما يكشف عن تباين واضح في مواقف دول الاتحاد الأوروبي تجاه الأزمة الليبية.
وأوضح أن الاتحاد الأوروبي أصبح منشغلاً بالحرب في أوكرانيا، التي استنزفته بشكل كبير، ما جعله أقل فاعلية في معالجة الوضع في ليبيا رغم الزيارات المتكررة، فإيطاليا مثلاً تركز على قضية الهجرة غير الشرعية، لكنها لم تتمكن حتى الآن من إيجاد حل لهذه المشكلة، بينما ترى فرنسا، التي فقدت نفوذها في إفريقيا، في ليبيا موقعًا استراتيجيًا وتسعى إلى تعزيز علاقاتها هناك لتعويض خسائرها.
وأكد أن دول الاتحاد الأوروبي لم تتوصل إلى توافق حول حل للأزمة الليبية، وهناك تناقض واضح بين مواقفها ومواقف الولايات المتحدة، لذا يرى أن الاتحاد الأوروبي غير قادر حاليًا على تقديم حلول ملموسة في ليبيا، في ظل التفكك الكبير الذي يعانيه بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
مناقشة