تأتي هذه الخطوة وسط استمرار الانقسامات السياسية وتعثر التوافق الوطني، مما يزيد من صعوبة تحقيق الاستفتاء في الظروف الحالية.
تجاوز الصلاحيات
يرى المحلل السياسي الليبي إدريس احميد، أن المجلس الرئاسي يتجاوز صلاحياته ويتدخل في اختصاصات ليست من مهامه، مبررا ذلك بوجود فراغ سياسي وأزمة متفاقمة دفعت المجلس للقيام بذلك.
وأكد احميد أن إصدار القوانين والقرارات خارج اختصاص المجلس الرئاسي ليس ضمن مهامه الأساسية.
وأشار احميد، في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن هذا التصرف من المجلس ليس مستغربًا وسط تداخل الصلاحيات والخلافات السياسية، مما يعكس حالة عدم الاستقرار وغياب الحكمة في معالجة الأزمة الليبية بطرق تحقق المصالحة الشاملة.
وتحدث احميد عن الفراغ الكبير الناجم عن هذه الخلافات وغياب دور بعثة الأمم المتحدة التي تفتقر للحيادية في إلزام الأطراف الليبية بالالتزام وفق صلاحياتها ومهامها.
أما بخصوص الاستفتاء، فقد أشار إلى أن هناك هيئات مختصة، مثل هيئة صياغة مشروع الدستور والمفوضية العليا للانتخابات، التي يجب أن تكون هي المعنية بهذا الأمر، خاصة أن مشروع الدستور ما زال معلقًا ولم يُنظر فيه بعد.
واعتبر احميد أن إجراء الاستفتاء يتطلب النوايا الصادقة، ولكن يبدو أن ما يحدث هو تضييع للوقت ومحاولة لتصفية حسابات سياسية.
كما يرى أن حالة عدم التوافق الحالية بين الأطراف الليبية تجعل من الصعب تنفيذ هذه الإجراءات، ويعتقد أنها مجرد تحركات مؤقتة مثل الأزمة التي حدثت في المصرف المركزي.
وأكد أن مجلس النواب والأطراف الأخرى سترد على المجلس الرئاسي، نظرًا لأن هذا الإجراء خارج اختصاصه، ويتوقع أن لا يحظى هذا الأمر بموافقة دولية نظرًا لأن ليبيا لا تزال مرهونة للمواقف الدولية.
وأضاف أن أي إجراء لا يسعى للتهدئة وإظهار حسن النوايا سيُقابل بالرفض، مشددًا على أن الأزمة الليبية تتطلب تنازلات حقيقية بعيدًا عن المصالح الشخصية وتضييع الوقت، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي لن يتدخل في هذه الخلافات والصراعات المحلية.
وقال: "هناك أيضًا توقعات بأن مجلس النواب قد يوافق على إجراء الاستفتاء الذي سيحدد شكل الدولة والنظام السياسي والتوزيع العادل للثروة، ما قد يؤدي إلى منافسة بين الأطراف المختلفة، إذ يسعى كل طرف إلى إحراج الآخر نتيجة لانعدام الثقة وغياب التفاهم بينهم".
تخبط سياسي
فيما يرى المحلل السياسي الليبي نصرالله السعيطي، أن هناك تخبطًا واضحًا في قرارات المجلس الرئاسي، خاصة بعد قرار مجلس النواب الليبي بتجميد عمله وعمل حكومة الوحدة الوطنية، نتيجة للانقسامات والصعوبات التي عرقلت تنفيذ الاتفاقات السياسية.
وكرد فعل على قرار مجلس النواب، قام المجلس الرئاسي بتشكيل مفوضية الاستفتاء والاستعلام، وهو قرار يتجاوز صلاحياته ويخالف ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية والإعلان الدستوري، إذ أن مهام المجلس محددة وواضحة، ويبدو أن هذا القرار جاء بتوجيه من حكومة الوحدة الوطنية، التي دفعت باتجاه اتخاذ مثل هذا الإجراء.
ويعتقد السعيطي، في تصريح خاص لـ "سبوتنيك" أن دعوة المجلس الرئاسي لإجراء الاستفتاء العام تأتي كرد فعل لتجميد عمل مجلس النواب، وهو كيان منتخب لا يحق لأي جهة إقصاؤه إلا بإرادة الشعب من خلال انتخابات جديدة.
وأشار السعيطي إلى أن هذا التصعيد من جانب المجلس الرئاسي يعرقل المسار السياسي ويزيد من صعوبة الوصول إلى حل سياسي يطمح إليه الليبيون، والمتمثل في إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتشكيل حكومة مؤقتة للإشراف على هذه المرحلة.
وأوضح أن الاستفتاء يجب أن يصدر عن جهة ذات شرعية دستورية، وأنه إذا تم اعتماد الاستفتاء إلكترونيًا بنعم أو لا، فإن المنطقة الشرقية والجنوبية لن تشارك فيه، نظرًا لأنها تؤيد بشكل عام موقف مجلس النواب.
كما يرى السعيطي أن هذا الاستفتاء سيؤثر بشكل مباشر على الحوارات القادمة، وأن القوى الدولية، وخاصة الولايات المتحدة عن طريق بعثتها الأممية، تتحكم في هذه المسائل.
وأضاف أن هذا القرار لم يحظَ بترحيب من الأمم المتحدة والولايات المتحدة، ولم يتم التطرق إليه في آخر جلسة لمجلس الأمن.
وأخيرًا، يرى السعيطي أن هذه الخطوة تهدف إلى إقصاء أطراف معينة من المشهد الليبي وإقناع المجتمع الدولي بأن الشعب الليبي لا يدعم بعض الأطراف، مشيرًا إلى أن أكثر من 80 في المائة من الليبيين يرفضون المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية.
ولا يزال المشهد السياسي الليبي يواجه تعقيدات وسط استمرار الاتفاقات المتفرقة والخلافات بين الأطراف المتنازعة، ما يزيد من حدة الانقسام السياسي في البلاد.
ويعاني المشهد العام في ليبيا من جمود يثقل كاهله، حيث لا تلوح في الأفق أي بوادر تشكيل حكومة جديدة تضطلع بمسؤولية الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المرتقبة.
ومع تأجيل هذه الانتخابات لمرات عديدة، تبدو الرغبة الشعبية في تحقيق الاستقرار وإحداث تغييرات جوهرية، بعيدة المنال في ظل حالة الركود الراهنة، ما يفرض تحديات جديدة على مستقبل ليبيا واستقرارها السياسي.