ثمة قصة كفاح أخرى كانت تنتظر السيدة التدمرية، قصة نضالية تستلمح الصورة المشرقة للأم "بيلاجيا"، في خالدة مكسيم غوركي، نظرا لما يجمعهما من تطابق الحس الغريزي بالنضال لأجل توريث الأولاد عالمًا أفضل مما عاشته.
لم يكن العام 2015، مثاليا للحصول على فرص عمل في سوريا، فخلال أشهره الأولى، كانت التنظيمات الإرهابية، على اختلاف عقائدها الفكرية، تستشري بشكل متزامن في عموم الجغرافية الوطنية، ما أدى لاكتظاظ هائل بالهاربين من المناطق الساخنة، داخل المناطق الآمنة، التي كانت تعاني أساسا تدهورا في مجمل الأنشطة الاقتصادية، جراء ضغط القصف المستمر وتقطع طرق المواصلات.
وتابعت القاسم: "حاولت كثيرا، لم أترك بابا إلا وطرقته، كان الجميع يرفض طلبي في فرصة عمل، إلى أن دخلت إلى حمام "الدرويشية" في حالة من اليأس، لم أكن أدري تماما كيف يمكن لامرأة أن تجد عملا في حمام شعبي للرجال، فكانت المفاجأة أن تم الترحيب بي والموافقة على أن أعمل بمهنتي التي أتقنها، وهي صنع الخبز المصنوع على موقد الصاج".
على الفور، بدأت القاسم عملها في الحمام، ورغم أن عمل امرأة في حمام شعبي للرجال والنساء (بشكل منفصل صباحا ومساء)، كان ليشكل معضلة حقيقية، إلا أن تعاون مالك الحمام أسهم كثيرا في تهدئة هواجسها، ومضت الأمور على ما يرام، كما تؤكد السيدة التدمرية، موضحة أنه "خلال زمن قصير من تواجدي في الحمام، لاحظت الخوف الذي يسيطر على السيدات في حماة، لدى نيتهن التردد إلى الحمام التراثي وذلك بسبب الظروف الصعبة التي كانت تسود آنذاك، لذلك فقد سعيت إلى تطوير العمل من خلال إدخال أفكار جديدة على العمل لكسر هذا الخوف وتشجيع النساء على زيارة الحمام".
يعد حمام "الدرويشية"، ثالث المواقع الأثرية من حيث الأهمية في مدينة حماة، لا يضاهيه جمالا وإبداعا على لائحة تراث المدينة سوى نواعيرها الشهيرة وقصر العظم الأثريين.