كيف سيواجه الرئيس الجديد لـ"أرض الصومال" القضايا الشائكة وعلى رأسها الاتفاق الموقع مع إثيوبيا؟

جاءت نتائج الانتخابات في أرض الصومال "صومالاند" لتطرح الكثير من التساؤلات حول ما ستكون عليه الأوضاع خلال الفترة القادمة بعد فوز المعارضة بالحكم متمثلة في الرئيس المنتخب "عبد الرحمن عرو" على الرئيس الحالي موسى بيحي، وعلى رأس تلك الملفات مذكرة التفاهم بين الإقليم وأديس أبابا والعلاقات الخارجية.
Sputnik
هل يستمر الرئيس الجديد وحكومة على نهج سلفه موسى بيحي فيما يتعلق بالاتفاق الموقع مع إثيوبيا بمنحها 20 كلم على البحر لاستغلالها في الأغراض الاقتصادية والعسكرية وأيضا المفاوضات الخاصة مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو والعلاقات الإقليمية والدولية.. أم أن عرو سوف يعيد صياغة تلك الملفات من جديد؟
بداية، يقول عمر محمد، المحلل السياسي الصومالي: "أثارت مذكرة التفاهم الموقعة بين السيد موسى بيحي، الرئيس الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في صوماليلاند، وآبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، توترا سياسيا في المنطقة، وأسخط كلا من الحكومة الفيدرالية الصومالية وجزءا من سكان إدارة صوماليلاند الانفصالية، مما يُعزى إليه خسارة موسى بيحي في الانتخابات الرئاسية، بل وصرح بعض مؤيديه بأن قوى إقليمية وأخرى محلية تكالبت عليه، وبذلت الأموال من أجل أن يخسر كرسي الرئاسة في صوماليلاند، غير أن الرئيس بيحي، رحب بالنتيجة التي أعلنتها مفوضية الانتخابات في صوماليلاند، وهنأ للرئيس المنتخب الدكتور عبدالرحمن عرو على هذا الفوز".
الصومال يعلن رسميا استبعاد القوات الإثيوبية من عمليات البعثة الأفريقية الجديدة في البلاد

عبء ثقيل

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "على الرغم مما يتمتع به السيد عرو من السياسة المعتدلة، إلا أنه يواجه عبئا ثقيلاً من تركة سلفه سواء في داخل صوماليلاند أو في خارجها، ويأتي ملفي إدارة خاتمة التي فكت الارتباط مع صوماليلاند بعد شهور من الصراع المسلح الدموي الذي راح ضحيته الكثير من أبناء الطرفين، وملف مذكرة التفاهم مع إثيوبيا، في مقدمة القضايا الشائكة التي تنتظر الحل من الرئيس الجديد، فضلا عن المحادثات الجارية بين صوماليلاند والصومال التي توقفت بعد توقيع المذكرة مطلع العام الجاري 2024".
وتابع محمد: "بما أن هدف "صوماليلاند" الرئيسي في هذه المرحلة هو الحصول على اعتراف دولي مهما كلفها من ثمن، فلا غرابة أن يسعى الرئيس الجديد المنتخب نحو تحقيق هذا الهدف، إما بالتسوية مع الحكومة الصومالية عبر الانفاق معها على إجراء استفتاء عام لتقرير المصير، وهو أقرب الطرق للوصول إلى الاعتراف، وإما بمواصلة السياسة العشوائية الانتحارية المناكفة للحكومة الصومالية، وهو طريق شائك لا يفي بهذا الغرض، في الوقت الراهن على الأقل".
وأشار محمد، إلى أن "الرئيس الجديد عبد الرحمن عرو في حوار له مع إذاعة البي بي سي أثناء حملته الانتخابية، قال إن مذكرة التفاهم تخضع لميزان مصلحة صوماليلاند، فإذا كان في المذكرة مصلحة لصوماليلاند، فإنه سيسعى إلى تجديدها وإلا فلا، والسؤال هنا ماهي طبيعة هذه المصلحة، ومن سيحدد مصلحة صوماليلاند، سؤال سيجيب عليه المستقبل القريب، وسيكشف عن مدى قدرة الرئيس عرو في التعامل مع القضايا الشائكة".
تقرير: مدير الاستخبارات الأمريكية زار الصومال "سرا"

سياسة حذرة

في المقابل، يقول ياسين أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية: "بتقديري الآن الوقت مبكر للقيادة الجديدة في أرض الصومال كي تشرع في عمل أي سياسات مؤثرة على علاقتها بالمحيط الإقليمي، كما أن الرئيس الجديد ضمن المتبنيين لعملية الانفصال مما يعطي دلالات على اتباع سياسة حذرة خلال المرحلة القادمة، مجموع ذلك يشير إلى أنه من المبكر التنبؤ بما يقدم عليه رئيس الصوملاند الجديد، سواء في شأن المذكرة مع إثيوبيا وجملة السياسة الخارجية".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "في اعتقادي أن الاتفاقية الموقعة بين إثيوبيا و صومالاند لن تتأثر بنتائج الانتخابات الأخيرة التي أتت برئيس من المعارضة "عبد الرحمن عرو"، لأن حكومته لا تختلف مع حكومة الرئيس السابق "موسى بيهي"، حيث أن المذكرة الموقعة بين الجانبين تُعد من المصالح الوطنية والقومية لأرض الصومال، ومع هذا أعتقد أنه سيكون هناك تفاوض بين أرض الصومال وإثيوبيا في بعض التفاصيل الواردة في مذكرة التفاهم حتى ترتقي إلى اتفاق بين البلدين، لأن جوهر المذكرة يدور حول اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة مقابل حصول إثيوبيا على منفذ بطول 20 كيلومتر على البحر لمدة 50 عاما لاستخدامها للأغراض الاقتصادية وكقاعدة عسكرية".
وتابع أحمد: "من وجهة نظري سوف تستمر تلك المذكرة لأن الحكومة السابقة والحالية في أرض الصومال لن تختلف على تلك المذكرة، لأنها تعتبر من القرارات الإستراتيجية التي تتعلق بالمصلحة الوطنية لأرض الصومال، وقد رأينا الترحيب الإثيوبي بالرئيس الجديد في أرض الصومال وأيضا السفارة الإثيوبية في "هرجيسا" عاصمة أرض الصومال قد رحبت بفوز الرئيس الجديد عبد الرحمن محمد والتقت به، كما أن هناك لجان مشتركة بين الجانبين تعمل على كتابة مسودة الاتفاقية بناء على مذكرة التفاهم، لأن الاتفاقية بعد الاتفاق على بنودها سوف تطرح على البرلمان في أرض الصومال من أجل إقرارها حتى ترتقي إلى اتفاقية ملزمة، كما أن هناك متغيرات إقليمية ودولية سوف تساعد على إنقاذها منها فوز الرئيس ترامب في أمريكا".
ضابط إثيوبي سابق يوضح الأهمية العسكرية للاتفاق مع "أرض الصومال"

المصالح المشتركة

وأشار رئيس المعهد الإثيوبي، إلى أن "هناك عدد من الدول المجاورة في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي سوف تعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة، هذا علاوة على توجه الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب في المرحلة القادمة، علاوة على التوجه البريطاني بعد زيارة وفد برلماني بريطاني إلى أرض الصومال خلال الفترة القادمة، ما يعني أن عدد من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية لديهم مصالح في الاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، نظرا لما يجري من متغيرات وتهديدات حول أمن البحر الأحمر خلق متغيرات دولية وإقليمية قد تدعم التوجه الإثيوبي وتدعم أرض الصومال".
وأردف أحمد: "ومن جانبي لا استبعد أن تعترف روسيا الاتحادية أيضا بأرض الصومال وكذلك الصين، لأن هذه القوى الدولية شرقا وغربا لديها تنافس على القرن الأفريقي وأمن البحر الأحمر، ولديها أيضا تنافس على النفوذ في القرن الأفريقي وخاصة على البحر الأحمر جنوبا من مدخل باب المندب، وأعتقد أن أفضل الخيارات الموجودة الآن هى أرض الصومال، لذا أرى أن الاعتراف الإقليمي والدولي بأرض الصومال هى مسألة وقت".
مقديشو تدعو إلى إدانة دولية للمذكرة الموقعة بين إثيوبيا و"أرض الصومال"

ملفات شائكة

من جانبه، يقول عبد الرحمن عبدي، رئيس مركز مقديشو للدراسات بالصومال: "إن فوز الرئيس عبد الرحمن عرو برئاسة أرض الصومال يمثل نقطة تحول كبيرة في مسيرة منطقة أرض الصومال التي تسعى منذ أكثر من 30 عاما إلى الحصول على اعتراف دولي، وخطوة لا فتة لا شك ستلقي بظلالها على الأوضاع السياسية والأمنية ليس في الصومال فحسب، وإنما أيضا على منطقة القرن الإفريقي، ويتوقع أن يشكل انتخاب عبد الرحمن عرو رئيسا لأرض الصومال فرصة لإعادة النظر في قضايا عالقة تهم سكان الاقليم والصومال، والمنطقة والتي فشلت حكومة الرئيس السابق موسي بيحي في معالجتها، وإيجاد حلول لها".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "من أبرز القضايا التي تنتظر الرئيس الجديد في أرض الصومال هى قضية منطقة خاتمو، المفاوضات مع الحكومة الصومالية في مقديشو، والنزاع الصومالي-الإثيوبي على خلفية مذكرة التفاهم التي وقعتها إثيوبيا مع صومالاند للحصول على منفذ بحري عبر المياه الصومالية، وملف تنظيم الشباب".
وتابع عبدي: "على الرغم من وجود أصوات كثيرة تعلق آمالا عريضة على الرئيس المنتخب عبد الرحمن عرو، في معالجة القضايا الشائكة ذات الأبعاد والمسارات المتعددة بسبب حنكته السياسية والتأييد الشعبي والقبلي له، إلا أنه وفي تقديري لن يستطيع اتخاذ قرارات حاسمة ومصيرية تؤدي إلى تغيير شامل لا في أرض الصومال، ولا فيما يتعلق بالعلاقة مع حكومة الصومال الفيدرالية، ولن يحيد الرئيس عرو كثيرا عن نهج سلفه موسي بيحي وسياساته ومقارباته لمعالجة المسائل المعقدة داخليا وخارجيا، وذلك لأسباب عديدة من بينها الظروف السياسية والأمنية التي تفرضها علاقة الإقليم الجيوسياسية مع قوى إقليمية ذات نفوذ وتأثير في منطقة القرن الإفريقي".
وحول المفاوضات مع الحكومة الاتحادية في مقديشيو، يقول عبدي: "قد تستأنف المفاوضات بين أقليم أرض الصومال والحكومة الصومالية خلال السنوات الأولى من حكم الرئيس عرو، لكن ليس أمرا هينا أن تحدث اختراقات ملموسة، لأن المفاوضات التي بدأت عام 2012 في لندن وصلت إلى طريق مسدود، وتحتاج لإعادة احيائها وسيط جديد مختلف عن الوسطاء السابقين وأنماط ومقاربات جديدة، وأن الحكومة الفيدرالية في مقديشو إلى الآن ليست في موضع يشجع إقليم أرض الصومال ويدفعها نحو قبول الوحدة الجاذبة، ولا يتوقع أيضا أن يهدأ التوتر الحاصل في الوقت الحالي بين الطرفين، جراء مذكرة التفاهم التي وقعها رئيس أرض الصومال السابق موسى بيحي مع رئيس الوزراء أبي أحمد والتي بموجبها تحصل إثيوبيا على شريط بحري عبر المياه الصومالية".
الرئيس الصومالي يتهم إثيوبيا بالمراوغة بشأن مذكرة "أرض الصومال"

العلاقة مع إثيوبيا

أما ما يتعلق بالعلاقات الخارجية بعد مجيء الرئيس الجديد في أرض الصومال فيرى عبدي، أن "علاقة اقليم أرض الصومال مع إثيوبيا تحظى بأهمية خاصة لدى صناع القرار في الإقليم وتوافق كبير بين الأحزاب والسياسين للحفاظ عليها، ويعتبرونها استراتيجية، ولا يمكن لأي رئيس في هذا الإقليم أن يتخذ أي خطوة تغضب إثيوبيا، وبالتالي يتوقع أن يستمرالرئيس الجديد في نهج و سياسات سلفه فيما يتعلق بالعلاقة مع إثيوبيا، لكن المتوقع أيضا أن يقوم الرئيس الجديد بتحسن العلاقات مع جيبوتي التي ساءت في الآونة الأخيرة، أما بقية العلاقة مع القوى الإقليمية المهتمة بالمنطقة ستبقى على حالها في ظل حكم الرئيس المنتخب".
وأشار رئيس مركز مقديشو، إلى أن "ملف مذكرة التفاهم مع إثيوبيا التي أغضبت الحكومة الفيدرالية في مقديشو واعتبرتها اعتداء سافر على سيادة واستقلال الصومال، من الصعب أن يجرؤ الرئيس عبد الرحمن عرو على إلغاء هذه المذكرة، لكن ربما يقترح تغيير بعض بنودها، لأنه يعتبر مثل هذه الخطوة وحتى وإن لم يقلها علنا جزء مهم من مساعي أرض الصومال للحصول على الإعتراف والاندماج في المجتمع الدولي".
وأعلنت اللجنة المشرفة على الانتخابات الرئاسية في إقليم أرض الصومال المطل على خليج عدن، في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، عن انتخاب رئيس حزب الوطن، عبد الرحمن محمد عبد الله المعروف بـ "عبد الرحمن عرو" رئيسا للإقليم بعد مسيرة سياسية حافلة استمرت أكثر من 20 عاما، حيث حصل على نحو 64 في المئة من الأصوات، بينما حصل منافسه الرئيسي الرئيس الحالي موسى بيحي أحمد على نحو 35 في المئة، وبذلك يصبح عبد الرحمن عرو (69 عاما) الرئيس السادس لمنطقة أرض الصومال الإستراتيجية والمعلنة انفصالها من جانب واحد عن الصومال إثر الإطاحة بنظام محمد سياد بري عام 1991، وأول رئيس منتخب يأتي من خارج رحم الدولة العميقة في منطقة أرض الصومال جراء انتخابات وصفها المراقبون بـ "الحرة والنزيهة".
مناقشة