"مجزرة الأغواط"… جريمة فرنسية بشعة أحرقت فيها أهالي مدينة جزائرية أحياء

استخدمت فرنسا خلال فترة احتلالها للجزائر(1830-1962) أسلحة محرمة، كما ارتكبت جرائم إبادة بحق الآلاف من السكان إذ قطعت رؤسهم أو أحرقتهم أحياء، وفق العديد من المؤرخين.
Sputnik
تراجعت فرنسا خلال الأشهر الأخيرة، عن مواقفها السابقة التي رفضت فيها الاعتراف بجرائمها في الجزائر، التي مارستها طيلة سنوات الاستعمار، حيث كانت تقطع رؤوس سكان المدن التي تقاومها وتنقلها إلى باريس.
قبل أيام قليلة أشارت وسائل إعلام فرنسية، إلى أن بلدية باريس تعتزم الاعتراف بمسؤولية فرنسا عن مجزرة مدينة الأغواط عام 1852، خلال فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، في خطوة تمهد الطريق لاعترافات أخرى.
وقالت رئيسة البلدية إنها تعتزم تثبيت لوحة تذكارية في "شارع الأغواط" بمدينة باريس في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وذلك في مبادرة رمزية تخليدًا لذكرى ضحايا المذبحة.
في 30 يوليو/ تموز 2024، سحبت الجزائر سفيرها من باريس، كما استبعدت الشركات الفرنسية من مناقصة لاستيراد قمح في وقت لاحق واشترطت ألا تعرض الشركات المشاركة قمحا فرنسي المنشأ، في إطار تزايد التوترات بين البلدين.

إخفاء الأطفال

الجزائر تنفي تقارير عن فرض قيود تجارية مع فرنسا
وتعد جريمة الأغواط من أبشع الجرائم التي ارتكبتها باريس هناك، وكانت النساء اللائي بقين على قيد الحياة في حالة من الخوف الشديد على أطفالهن الصغار الذين تعتقلهم القوات الفرنسية، ولم يجدن طريقة لحمايتهم من هذه الوحشية سوى إخفائهم بالتمويه، وذلك بإلباس الذكور ملابس الفتيات ووضع أقراط على أحد الأذنين، حيث ظل الأمر تقليدا في المنطقة لحماية الأولاد الصغار من ما يعتقد أنه "شر"، بارتداء حلق حتى اليوم.

إبادة كاملة

يقول المؤرخ الجزائري، مصطفى بونيف، إن معركة الأغواط سنة 1952، دارت بين سكان ولاية الأغواط ضد الاستعمار الفرنسي، الذي وصل للمدينة بعد احتلال الجزائر، حيث تقع المدينة في الجنوب الجزائري.
وفق المؤرخ الجزائري، قاد المعركة شيخ القبلية حينها الشريف محمد بن عبد الله، مع الشيخ ناصر بن شهرة، واستمرت لأيام، راح ضحيتها أكثر من 4 آلاف من سكان المدينة. التي أبيدت عن بكرة أبيها.
ولفت المؤرخ الجزائري، إلى أن فرنسا ارتكبت العديد من المجازر في معظم مدن الجزائر.
يرى أن اعتراف فرنسا بجريمة الأغواط جاء في سياق محاولة بريس تصفية تعكر الأجواء بين البلدين، خاصة في ظل تزايد التوترات بعد سحب السفير الجزائري من فرنسا.
ولفت إلى أن فرنسا اعترفت بإعدام العربي بن مهيدي، بعد إنكار لسنوات طويلة، والتسويق لرواية أنه انتحر في السجن.
من ناحيته، قال نبيل كحلوش، الباحث السياسي الجزائري، إن جرائم فرنسا كبيرة في الجزائر، وكانت مجزرة مدينة (الأغواط) سنة 1852 من أكبرها.

وحشية فرنسية

باحث سياسي: الجزائر تملك كل الأدوات لمواجهة أي تصعيد من فرنسا برد مناسب وحازم
وأاضف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن تفاصيل الجريمة تعود لتحركات قامت بها فرنسا حين أرادت احتلال الصحراء ولم تستطع ذلك، حيث أرسلت سنة 1844 قوة عسكرية إلى هناك قوامها نحو 1700 مقاتل ولكن المقاومة الجزائرية تفطنت لها وأبادتها في عمق الصحراء.
وتابع: "في سنة 1852 أرسلت فرنسا جحافل عسكرية أكبر لحصار مركز المدينة، وتم تجريب سلاح المدفعية المجهزة بالكيمياوي لأول مرة، حيث تم إسقاط قذائف ومادة "الكلوروفورم" لتخدير الناس وحرقهم أحياء.
كما أن جثامين الكثيرين بقيت ستة أشهر في العراء بعد المجزرة حتى باتت هياكل عظمية، وانتهت بمقتل أكثر من 2500 من السكان.

اعتراف بالمجازر

يرى أن اعتراف فرنسا بالمجزرة وبجرائم أخرى يعني في العرف التاريخي أن قضية الذاكرة لا تسقط بالتقادم، بل يواصل التاريخ ممارسة تأثيره على المستقبل السياسي بأشكال شتى.
ولفت إلى أن ضغطا داخل العلبة النظامية الفرنسية بشتى أطيافها السياسية والثقافية والنخبوية لا تقدر على تجاوزه إلا بتنازلات أو اعترافات تجعل الطرف الجزائري يرصد نوعا من الدبلوماسية التاريخية مع الطرف الفرنسي، وهو ما يجعل تلك الخطوات عبارة عن أشواط سياسية أيضا في العلاقة بين البلدين.
وفقا للإذاعة الجزائرية، اعتبر رئيس قسم التاريخ بكلية العلوم الإنسانية والإسلامية والحضارة بجامعة عمار ثليجي بالأغواط، معمر جعيرن، أنّ ما ارتكبته قوات الاستعمار لدى احتلالها لمدينة الأغواط ردًا على المقاومة الشرسة التي كان يقودها مقاومون أشاوس على غرار الشريف بن عبد الله وناصر بن شهرة يعد واحدا من أفظع الجرائم التي اقترفتها قوات الاستعمار ضد الشعب الجزائري الأعزل.

أسلحة محرمة

وفق جعيرن، فإن قوات الاستعمار الفرنسي قامت نهاية نوفمبر وإلى غاية الثاني من ديسمبر 1852 بقصف منطقة الأغواط بقذائف معبئة بغاز الخردل والكلوروفورم وهي مادة كيميائية سامة تتسبب في التهابات حادة في أنسجة الرئة، وتحدث اختناقا شديدا يؤدي إلى الموت.
تحول اقتحام مدينة الأغواط إلى مذابح شنيعة لمعاقبة الساكنة الذين تمّ التعامل معهم على أنهم أعداء محاربون، كما سجّل سقوط قتلى في صفوف الجيش الفرنسي كان من بينهم الجنرال "بوسكاريني"، الأمر الذي زاد الجنود الفرنسيين رغبة في الانتقام من الساكنة حتى يكونوا عبرة لساكنة المدن الأخرى في جميع أنحاء جنوب الجزائر.
وأسفرت هذه المجزرة على استشهاد حوالي ثلثي ساكنة الأغواط (ما بين 2500 و3 آلاف من إجمالي 4500 ساكن من المتبقين في المدينة المحاصرة)، بما في ذلك النساء والأطفال.

اعترافات فرنسية بالمجازر

ماكرون يعترف بمسؤولية فرنسا عن اغتيال أحد قادة الثورة الجزائرية بن مهيدي
ويقول القائد العسكري الفرنسي إيجين فرومانتان في مذكراته: "كانت محنة مروعة رهيبة، رأيت جنديًا واقفًا أمام الباب يملأ بندقيته التي اصطبغت بالدمي وجنديين فرنسيين آخرين يجريان وهما يملآن قبعاتهم العسكرية بالحلي المنهوبة من جثث النساء المرمية، وكانت فتاتين مسكينتين مطروحتين أرضا بلا حراك واحدة ممدّدة على الأرض، والأخرى ملقاة على درج رأسها يتدلى نحو أسفله، وكان يقوم عسكري بنزع ما تحمله في جسدها من حلي ذهبية وفضية، فيما كانت امرأة ثالثة تحتضر، وبقبضة يدها زر بدلة عسكرية الذي اقتطعته من بدلة قاتلها"، وفق الإذاعة.
وتعتبر واحدة من أطول المقاومات التي خاضها الشعب الجزائري، كما أن احتلال مدينة الأغواط يعد إبادة شنيعة راح ضحيتها ثلثي السكان، وفق المؤرخين.
مناقشة