بعد عدم تخصيص موارد لها في ميزانية 2025.. هل تأجل إرساء المحكمة الدستورية في تونس؟

رغم ضبط اختصاصاتها وتركيبتها في الدستور التونسي لسنة 2022، لم يُفتح ملف المحكمة الدستورية في مناقشات موازنة 2025 تحت قبة البرلمان، ولم تخصص لها اعتمادات مالية لإحداثها.
Sputnik
وقد فتحت هذه المسألة أبواب الجدل والتساؤلات بشأن إمكانية تخلي السلطات التونسية عن إحداث هذا الهيكل الدستوري الذي حالت الخلافات السياسية دون تكوينه في السنوات التي عقبت الثورة.
وتحظى المحكمة الدستورية، وهي هيئة قضائية مستقلة، باهتمام بالغ في تونس بالنظر إلى اختصاصاتها ودورها المحوري في مراقبة دستورية القوانين والمعاهدات والنظام الداخلي للبرلمان التونسي والنظام الداخلي للمجلس الوطني للجهات والأقاليم. كما أن رئيسها هو من يتولى سد الشغور في حالة العجز أو الاستقالة أو الوفاة لرئيس الدولة.
ارتفاع أسعار الحبوب والجفاف يهدد موازنة تونس... خبراء يكشفون مصير المخزون الغذائي
وبينما يعتبر العديد من المتابعين للشأن السياسي، بأن عدم تخصيص إعتمادات للمحكمة الدستورية في قانون الميزانية لسنة 2025 بمثابة "التخلي الإرادي" عن هذه المحكمة، يرى البعض الآخر بأن إرساءها ما يزال ممكنا ويبقى رهينة الإرادة السياسية.
لا يوجد تخل عن المحكمة الدستورية
وفي الصدد، قال أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي في تصريحات لـ"سبوتنيك"، إن عدم تخصيص اعتمادات للمحكمة الدستورية في ميزانية 2025 لا يمكن تفسيره بوجود نية سياسية للتخلي عن تشكيلها.
ويتابع: "المحكمة الدستورية لها وجود دستوري كما نص عليه دستور 25 يوليو/تموز 2022، وبالتالي التخلي عنها لا يكون بمجرد عدم منحها ميزانية ".
وطالب أستاذ القانون الدستوري رئاسة الجمهورية والسلطة التنفيذية بضرورة إرساء القانون الأساسي المنظم للمحكمة الدستورية في أقرب وقت ممكن بعد تغييب الحديث عن هذه المسألة في الخطابات السياسية في الآونة الأخيرة.
تونس ترفع أسعار الوقود لرابع مرة في عام لخفض عجز الموازنة
ويواصل رابح الخرايفي الحديث مع "سبوتنيك" قائلا: "يمكن القول بأن هناك تباطئا في تركيزها فعليا ومؤسساتيا رغم سهولة تركيزها، حيث أن دستور 2022 أتى بتصور جديد فيما يخص تركيبة المحكمة الدستورية التي أصبحت مقتصرة حصرا على القضاء المالي والاداري".
وتساءل الخرايفي، إذا كان هذا التلكؤ في بعث المحكمة الدستورية "مقصودا" أو مجرد "إهمال" لهذه المؤسسة الدستورية.
وأضاف: "في تاريخ الرقابة الدستورية كان هناك دائما تخوف وخشية من الرقابة الدستورية بإعتبار وأن السلطة السياسية تريد أن تشتغل بقوانين حتى وإن كانت غير دستورية"، على حد قوله.
وبحسب الفصل 125 من دستور 2022، فإن "المحكمة الدستورية تتألف من 9 أعضاء ثلثهم من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التعقيبية بالمحكمة الإدارية والثلث الثالث من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات وينتخب الأعضاء من بينهم رئيساً للمحكمة".
ما الذي يؤخر إرساء المحكمة الدستورية؟
وفي تعليق لـ"سبوتنيك" حول نية رئاسة الجمهورية تعطيل إرساء المحكمة الدستورية، أفاد الأمين العام لمسار 25 جويلية (يوليو)،(مقرب من الرئيس) محمود بن مبروك، بأن الارادة السياسية موجودة لإرساء هذه المحكمة التي نص عليها دستور 2022.
دين تونس يمثل 82.6% من الناتج المحلي في موازنة 2022
وأضاف بن مبروك أن رئيس الجمهورية قيس سعيد يعطي أهمية كبرى للمحكمة الدستورية نظرا لدورها القانوني في مراقبة دستورية القوانين.
وتابع: "هناك أطراف تريد تأجيج الوضع في البلاد وتتدعي أن رئاسة الجمهورية قد تخلت عن ارساء المحكمة الدستورية وهذا غير صحيح".
ويرى بن مبروك، أنه من بين أسباب تأجيل تشكيل المحكمة الدستورية هو عدم الثقة في المنظومة القضائية الحالية التي لا تتماشى مع المسار ومع قرارات الرئيس قيس سعيد قائلا: "هذا الأمر يجعل التوقيت غير مناسب لإرساء المحكمة الدستورية ".
كما لفت المتحدث الرسمي باسم "مسار 25 جويلية" إلى أن عدم تخصيص اعتمادات لهذه المحكمة في ميزانية الدولة لسنة 2025 ليس دليلا قاطعا على وجود نية للتخلي عنها، مشيرا إلى أنه "يمكن لرئيس الجمهورية غدا وفي حال توفرت الظروف اللازمة أن يخصص ميزانية لها عبر مرسوم أو أمر رئاسي أو بقانون خاص ويقع إرساءها".
غياب الإرادة السياسية
على الطرف المقابل، يرى المحلل السياسي خالد كرونة، بأن المشكل اليوم يكمن في الارادة السياسية باعتبارها الوحيدة التي يجب أن تلفت النظر إلى هذه المسألة، مطالبا السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية بطرح قانون ينظم طريقة عمل المحكمة الدستورية حتى تكون جميع القوانين تحت رقابة المحكمة ولا تتعارض مع الدستور التونسي الحالي.
تونس تتوقع عجزا للموازنة 14% في 2020
ومع ذلك، يرى كرونة بأن هذه الخطوة التي أقدم عليها البرلمان التونسي بعدم تخصيصه اعتمادات للمحكمة الدستورية في موازنة 2025 لا تعني التخلي عن إحداثها.
كما أكد كرونة في حديث لـ"سبوتنيك" بأن "إحداث المحكمة الدستورية لا يزال ممكنا حيث أنه يمكن إحداث خط تمويل لها من ميزانية رئاسة الجمهورية في أي وقت حتى ولو لم تخصص لها اعتمادات في ميزانية 2025".
ويعتبر المحلل السياسي بأنه من الناحية التقنية، فإنه لن تكون هناك صعوبة في تمويل المحكمة الدستورية في حال تشكيلها باعتبار وأن نفقاتها محدودة ولا تمثل عبئا على ميزانية رئاسة الجمهورية، على حد تعبيره.
ولم تتمكن الكتل البرلمانية من انتخاب سوى عضو واحد لهذه المحكمة في شهر مارس/ آذار 2018 من بين 4 أعضاء بسبب الخلافات السياسية داخل البرلمان آنذاك، فيما رفض الرئيس التونسي قيس سعيد في 2021 ختم مشروع قانون يقر إدخال تعديلات على القانون المحدث لها.
مناقشة