ومع بدء تنفيذ بعض الخطوات في المرحلة الأولى، يرتقب أن تعود بعض الأمور إلى طبيعتها تدريجيا ومن بينها الجوانب الاقتصادية، التي تأثرت بشكل كبير منذ نحو عامين، حيث ارتفعت نسب تكلفة الشحن بشكل كبير ما انعكس على أسعار السلع والتضخم، والعديد من التداعيات.
وتراجعت حركة السفن بنسبة 30% في قناة السويس المصرية منذ بداية عام 2024 مقارنة بعام 2023، بسبب التوترات الأخيرة في البحر الأحمر.
وانخفض عدد السفن المارة في قناة السويس إلى 544 حتى 12 يناير/ كانون الثاني عام 2024، مقارنة بـ777 في الفترة ذاتها من العام 2023.
كما انخفضت الإيرادات الدولارية من قناة السويس بنسبة 40 %، وتقلّصت الأحمال بنسبة 41%، في الفترة من 1 إلى 11 يناير 2024، مقارنة بعام 2023.
انعكاسات على المستوى الدولي
وأضاف ساري، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أنه "على المستوى الدولي، من المتوقع أن
يسهم وقف الحرب في تخفيض متوسط تكاليف الشحن البحري بنسبة تتراوح بين 12% و18%، خلال الأشهر الستة الأولى، نتيجة لانخفاض المخاطر الجيوسياسية".
وتابع: "هذا سيكون له انعكاس على معدلات التضخم على المستوى العالمي، وربما سنشهد تحسنا طفيفا، كما أن الاستقرار النسبي سيحفز النمو الاقتصادي العالمي بمعدل إضافي يتراوح بين 0.3 و 0.5 نقطة مئوية، خاصة في الاقتصادات المعتمدة على التجارة الخارجية".
موضحا أن "أسعار الطاقة ستشهد تقلبا محدودا، مع انخفاضات لسعر برميل النفط تتراوح بين 5 إلى 8 دولارات مقارنة بفترة الحرب".
وأضاف: "من المتوقع كذلك أن تتحسن مؤشرات الثقة الاقتصادية، ويمكن أن نشهد تدفقات لرؤوس الأموال الأجنبية المباشرة بنسبة تتراوح بين 20% إلى 25% في بعض الدول المستقرة نسبيًا"، لكنه حذّر من أن "بعض المخاطر تظل قائمة في حال عدم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، مما قد يحد من الاستفادة الكاملة من المكاسب الاقتصادية".
وفيما يتعلق بتأثير ذلك على
خطوط الملاحة وقناة السويس، أكد ساري أن "مصر ستنتعش بشكل كبير من وقف النزاع، حيث سيؤدي ذلك إلى استئناف حركة الملاحة في البحر الأحمر بشكل أكثر انتظامًا، وسيرفع من عدد السفن العابرة لقناة السويس بنسبة قد تتراوح بين 15% إلى 20% خلال الربع الأول بعد وقف العمليات".
ويرى أن "هذه تقديرات رهينة بتطورات المشهد السياسي والأمني، وكذلك بمدى قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على تثبيت وقف إطلاق النار وتحويله إلى سلام مستدام، وفي حدوث انتكاسات أو تصعيد جديد، قد تنعكس هذه المؤشرات سلبا، مما يستدعي مراجعة السيناريوهات بشكل دوري".
فيما قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور هاني أبو الفتوح، إن "وقف الحرب في قطاع غزة، إن تحقق قريبا، ستكون له تداعيات اقتصادية متعددة المستويات، تمتد من الأسواق العالمية إلى موازين القوى الإقليمية. على المستوى الدولي، من المرجّح أن ينعكس الهدوء الأمني تدريجيا على أسعار الطاقة، إذ كانت التوترات في المنطقة أحد أهم مصادر القلق للأسواق النفطية خلال العام الماضي".
ويرى أن "الأثر الدولي لن يكون فوريًا أو متجانسًا، خاصة أن عودة الاستقرار ستُعيد الثقة نسبيا في حركة التجارة العالمية، إلا أن التعافي الكامل يتوقف على مدى ثبات الوضع الأمني واستمرار تدفق السلع عبر الممرات البحرية دون تهديد، كما قد يدفع وقف الحرب إلى استئناف بعض الاستثمارات المؤجلة في المنطقة، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية".
على المستوى الإقليمي، أشار أبو الفتوح إلى أن "الشرق الأوسط قد يشهد فترة من الهدوء الحذر تسمح بعودة النشاط الاقتصادي، خصوصا في دول الجوار مثل مصر والأردن ولبنان، كما يمكن أن تعيد بعض الدول الخليجية توجيه فوائضها المالية نحو مشاريع تنموية، ومع ذلك، ستظل تكلفة إعادة إعمار غزة عبئا ماليا كبيرًا يتطلب تنسيقًا دوليًا وإقليميًا واسعًا".
وكانت
أسعار الشحن البحري بين الشرق الأقصى وشمال أوروبا ارتفعت بنسبة 124%، منذ تصاعد الأزمة في منتصف ديسمبر/ كانون الأول 2023. وزادت الأسعار بين الشرق الأقصى والساحل الشرقي للولايات المتحدة بنسبة 45%، كما ارتفعت الأسعار إلى البحر الأبيض المتوسط بنسبة 118%.
ووفق مؤشر مؤشر "شنغهاي للشحن بالحاويات" (SCFI)، الذي يقيس متوسط تكلفة حاوية بطول 20 قدمًا يتم شحنها من شنغهاي إلى أوروبا، وهو المقياس الأكثر استخدامًا لتكلفة الشحن، فقد وصل إلى 3101 دولارًا لكل حاوية بعد أن كان 2871 دولارًا في 12 يناير 2025، أي ارتفع بنسبة 310% عن المستوى الذي شهده في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.
كما ارتفعت أقساط الشحن من البحر الأبيض المتوسط إلى شمال أوروبا إلى 800 دولار لكل أجنبي، وهي زيادة صارخة عن القسط السابق البالغ 250 دولارًا، أي بزيادة نسبتها 220%، وارتفعت أيضًا معدلات التوصيل من شمال أوروبا إلى آسيا بنسبة 44%.