تونسيون يخرجون في مسيرة تندد بالصمت الدولي تجاه الكارثة الإنسانية في غزة

شهدت العاصمة تونس، اليوم الخميس، مسيرة وطنية أمام سفارتي تركيا وقطر، بدعوة من حراك "جيل الطوفان"، تنديدا بالصمت الدولي إزاء ما يجري في قطاع غزة، وللمطالبة بالضغط على مختلف دول العالم من أجل تكثيف المساعدات الإنسانية العاجلة لفائدة القطاع المحاصر.
Sputnik
وتأتي هذه التحركات الشعبية في ظل تفاقم المأساة الإنسانية في غزة، حيث فاقمت الأمطار الغزيرة معاناة السكان الذين أنهكتهم الحرب والحصار، لتغرق آلاف الخيام المهترئة التي تأوي نازحين فقدوا منازلهم، وسط رياح عاتية وبرودة قاسية، ما جعل الشتاء عنوانا لمعاناة جديدة لا تقل قسوة عن القصف.
ومرة أخرى، يجد سكان قطاع غزة أنفسهم أمام كارثة إنسانية مركّبة، رغم قرار وقف إطلاق النار، إذ تسببت مياه الأمطار والبرد في تسجيل وفيات جديدة وتعميق جراح الفلسطينيين في قطاع دمرته الحرب، وقتلت أطفاله ونساءه ورجاله، واستهدفت طواقمه الطبية وفرق إسعافه، في ظل حصار أعاد إلى الواجهة أسئلة موجعة حول مصير من فقدوا المأوى، وقدرة غزة المنهكة على الصمود أمام كارثة تتجاوز حدود الطقس.
ويعد هذا المنخفض الجوي الثاني الذي يضرب قطاع غزة في أقل من أسبوع، بعد أن تسبب المنخفض القطبي الأول المعروف باسم "بيرون" في مقتل 14 فلسطينيا، وتضرر وغرق نحو 53 ألف خيمة كليا أو جزئيا، ما فاقم من حجم المأساة الإنسانية في القطاع، ودفع أصوات التضامن إلى الارتفاع خارج حدوده، كما هو الحال في الشارع التونسي اليوم.
مسيرة أمام سفارتي تركيا وقطر في تونس تندد بالصمت الدولي تجاه الكارثة الإنسانية في غزة، 18 ديسمبر/ كانون الأول 2025
دعوات لإدخال المساعدات إلى القطاع
ومن قلب المسيرة، أفاد عضو الهيئة التسييرية في "أسطول الصمود"، نبيل الشنوفي، بأن "كميات المساعدات التي تدخل قطاع غزة لا تفي باحتياجات السكان، خاصة في ظل قساوة الظروف المناخية"، التي تسببت، وفق قوله، في "تسجيل وفيات جديدة بين النازحين".
وأوضح الشنوفي في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "الوضع الصحي في القطاع يشهد تدهورا خطيرا، في ظل غياب الأدوية، والنقص الحاد في عدد الأطباء، إلى جانب الدمار الواسع الذي لحق بالمستشفيات جرّاء الحرب الإسرائيلية"، مضيفا أن "المنظومة الصحية باتت عاجزة عن الاستجابة للاحتياجات المتزايدة للجرحى والمرضى".
وأكد الشنوفي أن "الشعب التونسي لن يتراجع عن كسر الحصار"، معتبرا أن "ذلك يمثل مسؤولية جماعية تتحمّلها الشعوب العربية"، وشدد على أن "معاناة الشعب الفلسطيني ستتراجع إذا ما تحركت الأنظمة العربية بشكل جدي/ واتحدت وسمحت بإدخال كميات إضافية من المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع".
وأشار المتحدث إلى أن مشاهد الخيام التي تبتلعها مياه الأمطار تبقى "موجعة وصادمة"، داعيا جميع الدول إلى ممارسة الضغط من أجل احترام بنود اتفاق وقف إطلاق النار، الذي قال إن "الجانب الفلسطيني التزم به، في حين تجاهله الطرف الإسرائيلي".
ولفت عضو الهيئة التسييرية في "أسطول الصمود"، نبيل الشنوفي، إلى أن "مياه الأمطار تسربت إلى عدد من الأقسام داخل مجمع الشفاء الطبي، من بينها قسما الاستقبال والطوارئ، ما أدى إلى تعطّل جزء كبير من الخدمات الصحية، ووضع حياة المرضى في دائرة الخطر".
ويعد مجمع الشفاء أكبر مستشفيات قطاع غزة، وقد لحقت به أضرار جسيمة خلال الحرب الإسرائيلية، ورغم خضوعه لعملية ترميم جزئي عقب سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، فإن نقص الإمكانات، واستمرار القيود المفروضة على إدخال المعدات الطبية والأدوية، لا يزالان يحولان دون عودته إلى العمل بشكل طبيعي ومستقر.
"حماس": غرق الخيام وموت الأطفال في غزة امتداد لحرب الإبادة الإسرائيلية... فيديو
المسيرات لن تتوقف
وفي تصريحات لـ"سبوتنيك"، قال الناشط في لجنة كسر الحصار ودعم الحق الفلسطيني، جمال البحريني، إن "الشعب التونسي خرج إلى الشارع منذ اللحظات الأولى لقصف قطاع غزة، واستهداف مستشفى المعمداني والرضّع، ولا يزال إلى اليوم يرفع الشعار ذاته: إنقاذ غزة، ووقف إطلاق النار، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية".
وأضاف البحريني أن "هذه المسيرات والتحركات لن تتوقف في الشوارع التونسية ما دام القطاع يعيش على وقع أزمة إنسانية جديدة، سببها هذه المرة المنخفض الجوي، الذي أسفر عن سقوط وفيات ويهدد مصير عائلات تحاول تجاوز مآسيها ولملمة جراح خلّفتها الحرب الإسرائيلية".
واعتبر البحريني أن "أسطول الصمود" الذي انطلق من تونس شكّل دليلا واضحا على مدى وقوف الشعب التونسي إلى جانب الشعب الفلسطيني"، مؤكدا أن الصوت التونسي لن يخمد ما دام أطفال غزة في مواجهة الموت في كل لحظة، في ظل حرب التجويع والحصار".
كما دعا جمال البحريني مختلف الشعوب العربية إلى "التحرك خلال هذه الأيام، والهبّة الجماعية من أجل كسر الحصار، والتخفيف من معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، ووضع حدّ لسياسة التجويع التي يتعرض لها سكانه".
حماس: اتفاق وقف النار في غزة يدار بالمماطلة والابتزاز
دعوات إلى تكثيف حملات المقاطعة
وترى رئيسة جمعية "نساء من أجل فلسطين"، فايزة شكندالي، في تصريحات لـ"سبوتنيك"، أن "الفترة الأخيرة شهدت نوعا من الفتور في التحركات والتظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني في عدد من الدول العربية"، معتبرة أن "الحرب في غزة توقفت إعلاميا فقط، في حين أن المعاناة الحقيقية لا تزال متواصلة على الأرض".
وأضافت الشكندالي أنه "مع اقتراب حلول رأس السنة الإدارية، تبرز الحاجة إلى تكثيف حملات المقاطعة، خاصة أمام المحلات التجارية والعلامات الداعمة لإسرائيل، بهدف التذكير بالجرائم المرتكبة بحق سكان قطاع غزة، في ظل حرمانهم من دخول المساعدات الغذائية، والمستلزمات الطبية، وكافة مقومات الحياة الأساسية".
واعتبرت الشكندالي أن "نتائج حملات المقاطعة لم تبلغ بعد مستوى إغلاق مقرات بعض العلامات التجارية العالمية، غير أنها نجحت إلى حد ما في إعادة تشكيل وعي المستهلكين، وإبراز القضية الفلسطينية في تفاصيل حياتهم اليومية".
وأشارت إلى أن "الوعي التونسي شهد تحولا لافتا، وأصبح أكثر انسجاما مع حملات المقاطعة، خاصة خلال الأعياد والمناسبات الاحتفالية"، مؤكدة أن "هذا التحول يعد أحد أبرز المكاسب، حتى وإن لم ينعكس بشكل مباشر على الأرقام أو المؤشرات الاقتصادية، إذ ساهمت المقاطعة في تعميق ارتباط التونسيين بالقضية الفلسطينية على مستوى التفكير والسلوك الاستهلاكي".
كما شددت رئيسة جمعية "نساء من أجل فلسطين" على أن "حملات المقاطعة في تونس لم تكن مجرد رد فعل ظرفي، بل تمثل التزاما طويل الأمد، يجسد الانحياز الثابت للتونسيين تجاه القضية الفلسطينية، الراسخة في وجدان وذاكرة الشعب التونسي".
يشار إلى أن الحرب على قطاع غزة، التي اندلعت في 8 أكتوبر 2023 واستمرت على مدى عامين، خلّفت أكثر من 70 ألف قتيل، وما يزيد على 171 ألف جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب دمار طال نحو 90% من البنية التحتية المدنية.
مناقشة