بقلم: سامي إيراهيم
قتل يوليوس قيصر غدرا بالإتفاق على أن يطعن كل شخص من المشاركين في اغتياله طعنة حتى يموت على أيديهم جميعا دون أن تقع التهمة على شخص واحد وتتالت الطعنات على القيصر حتى جاءه آخرهم بروتس وكان أحب أصدقائه إليه ومحل ثقته والشخص الأقرب إلى قلبه نظر حينها "يوليوس قيصر" في عيني صديقه وقال له "حتى أنت يا بروتس؟" فأجابه "إني أحبك لكني أحب روما أكثر" فكان جواب قيصر له "إذاً، فليمت القيصر" وطعنه بخنجره فتفرق دمه.
ألم يعلمنا القرآن الكريم أن نتعاون على البر والتقوى وألا نتعاون على الإثم والعدوان؟ أولم يعظنا أن من قتل نفس بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا؟ وفي الوقت ذاته ألم يفسر لنا الفليسوف والموسوعي الفرنسي دنيس ديدرو في آواخر القرن السابع عشر أن حرية الفرد تبدأ عندما تنهتي حرية الآخرين؟ بمعنى أنه لا يمكنك أن تسيئ لحرية الآخرين بذريعة أنك تمارس حريتك.
إذاً المشكلة ليست بالإسلام أو بالدفاع عنه وعن القيم الإسلامية كما أنها لا تكمن في صراع الحضارات والمثل الإنسانية بين الشرق والغرب وممارسة الحرية الفكرية والتعبير عن الرأي إنها مآساة الليبرالية الجديدة التي ضاق صدرها ذرعا بالقواعد الأخلاقية للنظم الاجتماعية التقليدية التي تقيد حرية استبدادها وتلجم أطماعها في استغلال الغير فراحت تحفر تحت أسس دعائم الديمقراطية التي قال عنها تشرتشل بأنها "نظام سيئ ولكن البشرية لم تعرف بعد نظاما أفضل منها" لتطلق العنان لقواعد جديدة مبنية على الفوضى الاجتماعية تلهي من خلالها مواطنيها بقضايا الزواج المثلي وحثيثياته وسرقة الأعضاء البشرية وتعاطي المخدرات وأمراضه الاجتماعية ودعم المنظمات الإرهابية والمتطرفة وثم محاربتها بهدف التدخل في شؤون الشعوب لنهبها.
إن كواشي وجوقته وشارلي ايبدو وإبداعه لا يختلفان عن بعضهما البعض قيد أنملة في إساءتهما للإسلام وهما بالنسبة لليبرالية الجديدة بمثابة "حصان طروادة" المكلف بمهمة الدخول إلى قلعة الدين الإسلامي واحتلاله من داخله وكأنما الأول هو صدى مباشرا للآخر الذي كلما نهق بنشاذ ما استجاب له الأول بقتل وتفجير وسفك دماء تزيل عن الإسلام لونه الأخضر الطاهر وتحيله إلى عقيدة إرهابية في نظر المجتمع الدولي الذي لا يرحم أحدا في هذا الأتون الطبقي المتقد بهدوء بين مفاصله.
ليس من حق أحد أن يطلب من المسلم التخلّي عن ثوابته ولكن المطلوب هو تطبيق منهج "التعارف" القرآني الأقرب من التسامح إلى طبيعة الإسلام والتعارُف هو الاعتراف المتبادَل بالحق في الاختلاف لقوله (ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك، ولذلك خلقهم) وهذا الحقّ لا يمكن أن ينبني إلاّ على المعرفة والتعارُف ومعايشة العصر والتطور ولا خشية على الهوية والانتماء من ذلك لأنّ الهوية المنفتحة والمتجددة هي الباقية بينما منطق الانغلاق على الذات زائل.
فليس كفرا أن تؤمن كما تشاء وبالإله الذي يحلو لك أن تعبده ولا حق لأحد أن يحرمك من اعتقادك ولكن يجب ألا تحوّل إيمانك إلى حقل ألغام وعبوات ناسفة وأجساد مفخخة بالحقد والكراهية والموت تجاه خلق الله الآخرين كما فعل كواشي وجماعته فهل كان مبتغاه هو وغيره ممن يقتلون الأبرياء باسم الدين أن يدللوا على أن الإسلام هو دين قتل وسفك دماء؟ إذ لا نرى بين سبع مليارات من البشر وبين مئات من الأديان والمعتقدات من يمارس الإرهاب والقتل دفاعا عن معتقده وإيمانه سوى أولئك المتأسلمين الذين يصبون حقدهم الأعمى على الإسلام بغية تشويه صورته وتعاليمه السمحاء ليظهر من يقول إن التشدد والعنف بنيويّ في الإسلام وأنه لا يقبل بالحوار بل يميل للصدام مع الثقافات والحضارات الأُخرى.
ويشير خبراء في الدراسات الإسلامية إلى أن فكرة تعصب المسلمين وتشددهم وميلهم للهوية المنغلقة والمتميزة وظهور صورة للعالم في أوساطهم تعتبر أن هناك مؤامرة عليهم وعلى دينهم قد ثبّتتها أحداث العنف ومآسيه في السنوات الأخيرة في ليبيا ومصر وسورية والعراق وولدّت هذا الانطباع لدى دوائر كثيرة في العالم فالصراع ليس بين المسلم وغيره بل هو بين المتغيرات والثوابت في الإسلام حيث ظهرت إحيائية إسلامية قوية ضربت المؤسسات التقليدية وأضعفت تحركات الإصلاح بحجة مكافحة التغريب وسادت على مدى نصف قرن ثقافة دينية مضادة للكثير من تطورات العصر أنتجت رؤية أُخرى للعالم ولذلك فقد بدا المسلمون في قضايا التسامح والانفتاح ومعاصرة العالم إما جامدين وعاجزين إذا كانوا تقليديين وإما معادين وعدميين إذا كانوا أُصوليين.
ولكن قوله تعالى "كل يوم هو في شأن" يشير إلى التغيير الممكن في الطبيعة والإنسان بينما يمثل الكمال في الذات الإلهية فيكوّن الثابت والباقي لذا يكون التغيير في حياة الإنسان والمجتمعات الإنسانية في معناه الكامل بتوفيق الله فالتغيير تجديد وتقدم يقوم على الوعي بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية وهي رؤية الإسلام للتغيير وجدل الثوابت والمتغيّرات موجود في الفكر الإسلامي كما هو موجود في كل ثقافة وفكر ودين ولا شأن لذلك بقضية الإيمان والإلحاد فالصراع مستمر بين التقليدية المتمسكة بالمتغيرات من أجل تطبيع الدين مع الوضع المتجدد وبين الأصولية التي تنصّب نفسها حامية للثوابت ولا حالة مثالية متعادلة في جدل الثوابت والمتغيرات إلا الجدل ذاته للوصول إلى ضرورة التلاؤم مع قيم العالم ومنجزاته وبالتالي إلى حل معضلة المسلمين الذين كانوا منفتحين في العصور الوسطى وهم اليوم يتشددون بينما المسيحيون المتشددون في العصور الوسطى هم اليوم متسامحون.
وجهة نظر موقع "Sputnik" قد لا تتوافق مع رأي صاحب المقال