حالقاهرة ـ سبوتنيك ـ أشرف كمال
حساسية القضايا الإقليمية تتطلب تبادل الخبرات بين مصر وروسيا
النهضة الصناعية الكبرى حدثت بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي سابقا
السيسي وبوتين كلاهما يحاول إحياء الروح القومية لكل من مصر وروسيا
المدرسة العسكرية المصرية اعتمدت على الفكر العسكري الروسي
مصر تتعاون مع روسيا انطلاقا من مكانة دولية وعلاقات تاريخية صلبة جمعت شعبي البلدين
روسيا عانت من الإرهاب ودفعت ثمنا باهظا
استعادت العلاقات الروسية المصرية، ذاكرة التاريخ وأعلنت مصر عقب ثورة 30 يونيو، وبشكل عملي، عن توجيه سليم في بوصلة العلاقات الخارجية، وجاءت الانطلاقة في صياغة 2+2 تلك التي تتسم بالاستراتيجية، في تطوير علاقات التعاون المشترك في المجالات كافة، حيث دارت تفاصيل المشهد الجديد في علاقات البلدين الصديقين، ما بين مقر وزارة الدفاع حيث مستقبل التعاون العسكري بين القاهرة وموسكو، ووزارة الخارجية، وتنسيق المواقف السياسية في عدد من الملفات الإقليمية والدولية.
واستمرار التنسيق بين البلدين ينطلق من قاعدة صلبة لتاريخ العلاقات، إلا أنه يبتعد كثيرا عن الطابع الإيديولوجي، ليسير في اتجاه الشراكة التي تحقق المصالح المشتركة، فلقاءات المسؤولين أكدت الحرص على التواصل الممتد للعلاقات الاستراتيجية التاريخية من خلال البدء في مرحلة جديدة من العمل المشترك والتعاون البناء المثمر، للشعبين بما يسهم في إقامة السلام الشامل والعادل والمتوازن الذى يدعم توفير الأمن في منطقة الشرق الاوسط، ويعيد التوازن إلى العلاقات الدولية.
تعدد الأقطاب
تعمل مصر على خلق مساحة جديدة من العلاقات الخارجية المتوازنة في ضوء ما تحمله من علاقات جيدة مع الأطراف المختلفة في المنطقة والعالم، ودورها المؤثر في قضايا المجتمع الدولي، العربية والإسلامية والأفريقية.
وتعتبر روسيا أحد الركائز الأساسية في سياستها الخارجية التي تقوم على أساس احترام سيادة الدول، وحق الشعوب في تقرير المصير، وتسوية الخلافات والنزاعات في إطار الامم المتحدة، والالتزام بما جاء في ميثاق المنظمة الدولية، بما يؤدي في النهاية إلى عالم متعدد الأقطاب بعيدا عن سيطرة القطب الواحد الذي ينظر لقضايا المجتمع الدولي من منظور لا يحقق إلا مصالحه.
المباحثات الثنائية بين البلدين خلال المرحلة السابقة أظهرت توافق الرؤي حول ضرورة تكثيف التعاون والتشاور الثنائي إزاء التعامل مع القضايا الإقليمية والدولية التي تهدد الاستقرار الإقليمي والبناء على العناصر المشتركة العديدة في مواقف البلدين تجاه هذه القضايا.
كما تم الاتفاق على تطوير العلاقات الثنائية وإحداث نقلة نوعية بها، والبناء على ما هو قائم بما يليق بمكانة البلدين ووزنهما العالمي والإقليمي ويتناسب مع التحديات المستقبلية ويستجيب إلي تطلعات الشعبين.
وقد اتفق الوزراء الأربعة في هذا الصدد علي تشكيل لجان نوعية مشتركة لمتابعة تطوير التعاون الثنائي في المجالات كافة بما فيها البنية التحتية والاقتصاد والاستثمار والتجارة والتصنيع والتعاون الأمني والعسكري.
وقد أكد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف أنه من مصلحة روسيا أن تبقى مصر دولة مستقلة، مضيفا أن مشروع الدستور سيجعل مصر في طريق التقدم، وأن موسكو مستعدة لتقديم مساعدات لمصر في كل المجالات التي تريدها.
الإرهاب العاصف
النخبة السياسية في مصر تدرك أهمية تفعيل العلاقات الثنائية مع روسيا، وتعي جيدا أن روسيا كان لها الفضل في أن يشهد المجتمع المصري الصناعات الثقيلة، كما أسهمت في بناء السد العالي، ودعمت مصر تدريبا وعتادا في حرب 1973، وأن آفاق التعاون بين البلدين واسعة جدا مع مرحلة جديدة من التعاون.
وفي حديثه عن العلاقات المصرية الروسية أوضح المفكر السياسي، سفير مصر الأسبق لدى روسيا، الدكتور رضا شحاته، لـ"سبوتنيك" أن العلاقات بين البلدين قديمة وراسخة ومتطورة والشواهد عليها كثيرة والرموز عليها أكثر، فعند الحديث عن السد العالي، فإننا نتحدث عن المشروعات الضخمة مثل كهربة الريف، والحديد والصلب، بمعنى أن النهضة الصناعية الكبرى حدثت بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي السابق، والآن لها صدى في حركة الإحياء السياسي الحالية في ظل عهدي بوتين والسيسي، مضيفا أن كلاهما يحاول إحياء الروح القومية لكل من مصر وروسيا، وتجديد الاقتصاد، وتصحيح مسار العلاقات الإقليمية والدولية، والأهم من هذا وذاك إعادة التوزان في العلاقات الدولية التي كانت تفتقد خلال السنوات السابقة.
وأوضح أن زيارة الرئيس بوتين إلى القاهرة تدشن وتعمق قضية في غاية الخطورة وهي الأمن الوطني والأمن الدولي في مكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرف، التي أصبحت تعصف بالعالم في الوقت الحاضر، مضيفا أن روسيا عانت من الإرهاب ودفعت ثمنا باهظا في سنوات سابقة وتصدى لها الرئيس بوتين ونجح في ذلك، مشيرا إلى أن مكافحة الإرهاب ستتصدر المباحثات إلى جانب أطر التعاون المشترك بين موسكو والقاهرة.
وشدد المفكر السياسي على أن زيارة الرئيس السيسي إلى روسيا أكدت على التطلع المبكر في فتح أطر هذه العلاقات، مشيرا إلى أن العلاقات العسكرية تمثل ركيزة أساسية ومحور رئيسي في التعاون بين مصر وروسيا، وان المدرسة العسكرية المصرية اعتمدت على الفكر العسكري الروسي، موضحا أن العلاقات العسكرية بين البلدين لا تخضع لأي شروط، ولا أي ضغوط، تخضع دائما لعلاقات التفاهم بين البلدين، فلم تكن مرتبطة بشروط سياسية، ولا أحلاف ولا محاور، مشيرا إلى أنها إيجابية من الإيجابيات التي ارتبطت بالعلاقات الثنائية.
الأمن الاستراتيجي
وأكد الدبلوماسي المصري أن الواقع يفرض نفسه دائما، موضحا أن الحوار الاستراتيجي بين البلدين لا بد أن يطرح الأوضاع الجديدة في العالم العربي، والتي تشهد تمزيقا، خاصة في دول كانت مستقرة مثل العراق واليمن وليبيا، وهي دول كانت ذات علاقات محورية مع روسيا، وأضاف أن هذه التطورات تؤثر على موازين القوى والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأكد أن مصر باعتبارها من العناصر الفاعلة عربيا وإقليميا بحاجة إلى التحاور استراتيجيا مع روسيا بحثا عن الاستقرار وتحقيق الأمن في المنطقة، وتجنب رقعة عدم الاستقرار والخلل الاستراتيجي في المنطقة، مشيرا إلى أن القضايا الإقليمية شديدة الحساسية والدقة وتحتاج الى تبادل الرأي والخبرات بين كلا من مصر وروسيا، مشددا على وجود قواسم مشتركة بين البلدين مما يساعد على الخروج بصيغة جديدة والتوصل إلى حلول تعمق الأمن الاستراتيجي لهذه المنطقة.
والحكومة المصرية تعمل على توازن السياسة الخارجية وتوسيع البدائل المتاحة أمام هذه السياسة بما يعزز ويعمق المصلحة الوطنية، لأن أحد الأركان الأساسية لاستقلال القرار الوطني المصري أن يكون هناك تعدد في الاختيارات أمام السياسة الخارجية، وأن مصر تتعاون مع روسيا من واقع مكانتها الدولية ودورها الرئيسي في قضايا الشرق الأوسط والعلاقات التاريخية الصلبة التي جمعت شعبي البلدين.
والقضايا الإقليمية والدولية، خاصة الأزمة في سورية والقضية الفلسطينية وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، تحظى بأهمية في مباحثات المسؤولين في البلدين فضلا عن أن القضايا الأفريقية، وإصلاح الأمم المتحدة وتخصيص مقعد دائم للدول العربية والأفريقية، تحظى دوما باهتمام المسؤولين في البلدين.