القاهرة- سبوتنيك- أيمن سنبل
يشير المشهد إلى أن زيارة الرئيس بوتين للقاهرة تأتي تتويجا لتلاقي المصالح المصرية الروسية، الذي تكثف بصورة غير مسبوقة خاصة، بعد 30 يونيو/ حزيران وبمجرد إنهاء حكم "الإخوان المسلمين" في مصر، وما صاحبه من توتر في العلاقات المصرية الأمريكية.
ويقف محللون بكثير من التأمل إلى المباحثات المصرية الروسية التي عقدت في 12 و13 شباط/فبراير من العام الماضي 2014، بصيغة الاجتماعات الثنائية "2+2"، التي ضمت وزيري الخارجية والدفاع لكلا البلدين، وهو نمط مباحثات تنتهجه الإدارة الروسية مع الدول الاستراتيجية ذات الأهمية الكبرى على مستوى العالم.
ويستوقفنا هنا أن روسيا لم تعقد تلك الصيغة من المباحثات إلا مع خمس دول على مستوى العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة واليابان.
وتعد مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي طبقت معها روسيا العام الماضي صيغة (2+2)، في إشارة إلى نقلة استراتيجية لرؤية الإدارة الروسية لمصر بعد حزيران/ يونيو 2014.
ويحلل خبراء في الشأن الروسي النهج التفاوضي الذي تطبقه روسيا باستخدام صيغة (2+2)، بأنها إحدى "الأدوات الفريدة" للدبلوماسية الروسية وصناعة السياسة الخارجية في البلاد، والتي تتبنى من خلالها نهجا ثنائيا للتفاوض مع دول محورية ذات شأن، بتحرك ثنائي على مستوى وزيري الخارجية والدفاع، لطرق مجالات متنوعة ومتشعبة من العلاقات الثنائية بهدف تنسيق المواقف حيال قضايا ذات اهتمام مشترك، فضلا عن التطرق إلى قضايا أكثر اتساعا وشمولاً، ومنها التعاون العسكري والتدريب والتبادل الاستخباراتي وقضايا الأمن القومي وتوريد الأسلحة والتدريب والتعاون العسكري والتدريبات المشتركة، وجميعها قضايا تخرج عن إطار العلاقات الاعتيادية بين الدول انتقالا إلى مراحل أكثر عمقا واستراتيجية.
لذا فإنه انطلاقا من مسار العلاقات بصيغة (2+2) التي أطلقتها موسكو، طرأ تحول في منظور مصر في الاستراتيجية الروسية، ويفسر باحثون استطلعت وكالة "سبوتنيك" الروسية آراءهم، المسألة بقولهم إنه لا شك أن مصر تحتل مكانة محورية في السياسة الخارجية الروسية، خاصة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، حيث تتمتع فيها بمحاور ونقاط تماس كثيرة مع ملفات المنطقة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا واستراتيجيا، وهذا يضعنا أمام تساؤلات أخرى… وماذا تحتاج مصر من روسيا؟ وماذا بعد؟
يعلق على الأمر الخبير في الشؤون الروسية، فادي عاكوم، في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية، قائلا إن مصر على الصعيد السياسي بحاجة إلى "دعم لاعب قوي بحجم روسيا، إضافة إلى الدعم الاقتصادي خاصة في ملف الغاز والقمح، وهما ملفان حيويان بالنسبة لمصر".
أما إلى أي مدى ستصل العلاقات المصرية الروسية، فيرد عاكوم، معتقدا أن العلاقات بين البلدين ستصل إلى حد "التوأمة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا"، نظرا للقواسم المشتركة التي تجمع بين البلدين، خصوصا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والتصدي للتكتل الغربي، الذي يحاول إقصاء كل من مصر وروسيا عن المشهد السياسي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، ما أتاح الفرصة المناسبة لروسيا لدخولها من جديد إلى المنطقة بهذه القوة، على حد قوله.
ويضيف عاكوم متوقعا أن يكون "التعاون العسكري بين مصر وروسيا شاملا، فبالإضافة إلى توحيد المواقف السياسية بين البلدين سيكون هناك تعاون اقتصادي على المستوى الأول، من خلال المشاريع الروسية المباشرة أو من خلال رجال الأعمال الروس، بالإضافة إلى التعاون في المجال النووي السلمي لإنتاج الطاقة الكهربائية.
وعمّا إذا كان للتقارب المصري الروسي أي تأثير على العلاقات المصرية الأمريكية، استطرد عاكوم قائلا: "اعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية ستخسر أوراقا كثيرة في الشرق الأوسط، خاصة أن روسيا وضعت أقدامها بشكل قوي في المنطقة في سوريا أولا، وفي منطقة الخليج رغم التقارب الخليجي الأميركي، "ومصر تعتبر الدولة المحورية التي تقود الدول العربية عسكريا وسياسيا، لها تأثير قوي. وبالتالي في اللغة السياسية، من الممكن اعتبار التقارب الروسي المصري فشل سياسي أميركي في ضوء ما كانت عليه العلاقات المصرية الأميركية المميزة قبل عام 2011.
من جهته، يرى المفكر السياسي، وسفير مصر الأسبق لدى روسيا، الدكتور رضا شحاته، في حديث لـ"سبوتنيك" أن مصر، باعتبارها من العناصر الفاعلة عربيا وإقليميا بحاجة إلى التحاور استراتيجيا مع روسيا بحثاً عن الاستقرار وتحقيقاً للأمن في المنطقة.
وتابع قائلا إن الحكومة المصرية تعمل على توازن السياسة الخارجية، وتوسيع البدائل المتاحة أمام هذه السياسة، بما يعزز ويعمق المصلحة الوطنية، لأن أحد الأركان الأساسية لاستقلال القرار الوطني المصري أن يكون هناك تعدد في الاختيارات أمام السياسة الخارجية، وأن تتعاون مصر مع روسيا من واقع مكانتها الدولية، ودورها الرئيسي في قضايا الشرق الأوسط، والعلاقات التاريخية الصلبة التي جمعت شعبي البلدين.
لذا يجمع كثير من المراقبين أن الزيارة الراهنة لبوتين تعد نقطة ارتكاز مهمة لحالة تحول تشهدها منظومة العلاقات المصرية الروسية إحياءّ لرصيد يزيد عمره على السبعين عاما.