وآخر مستجدات هذا الملف، كشفها مدير العلاقات العامة والبروتوكول في بطريركية السريان الأرثوذكس في دمشق، الربان موريس عمسيح، في لقاء خاص مع وكالة "سبوتنيك"، بقوله إن الجهات المعنية في سورية وافقت على بناء نصب تذكاري يأتي على شكل مجسم "قوس كبير وشعلة" في "حديقة القشلة" في "باب توما"، التي سميت أخيراً بحديقة "شهداء السريان"، وذلك بناء على طلب قداسة البطريرك أفرام الثاني الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم من الرئيس بشار الأسد الذي وافق على طلبه لإحياء ذكرى مرور 100 سنة على "سيفو" (المجازر باللغة السيريانية) على السريان والأرمن، مشيراً إلى أن كلمة "القشلة" تعني ثكنة باللغة العثمانية، وحتى ننتزع من أذهاننا تكرار هذه الكلمة، فقد جرى تسميتها بحديقة "شهداء السريان".
كتيب لتوثيق الجرائم
وأشار عمسيح إلى أن افتتاح النصب التذكاري سيشهد احتفالاً في يونيو/ حزيران القادم، بحضور أكثر من 40 مطراناً من مطارنة الشرق الأوسط، كما يتم حالياً بناء الكنيسة المكشوفة، وتتضمن هيكل "شهداء السريان".
ولفت إلى تشكيل لجنة بطريركية تقوم بالتحضير لهذه المناسبة والتنسيق مع الجهات المختصة السورية لإقامة الندوات والمحاضرات والمعارض الفنية والأمسيات المرتلة، فتم الإقرار بافتتاح سنة مئوية بقداس احتفالي في مقر الكرسي الرسولي البطريركي في دمشق بتاريخ 11 يناير/ كانون الثاني 2015، و18 منه في لبنان، إضافة إلى احتفالات في السويد وأميركا والهند وأوروبا.
كما تم إصدار كتيب عن البطريركية بدمشق- سورية في الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول لعام 2014، وهي السنة الأولى للبطريركية، بحيث يتضمن توثيقاً للمجازر والانتهاكات بحق الشعب الأرمني.
سبات الضمير
ومع مرور قرن على مجازر السريان والأرمن، فإن عمسيح يقول إن "الجراح مازالت تنزف والكنيسة السريانية الأرثوذكسية تلتزم أمام شهدائها بمسؤولية الوقوف وقفة تاريخية لإيقاظ الضمير الإنساني القابع في سبات عميق".
وقال إنه بعد مائة عام من المذابح، يستمر القتل والدمار ويستهدف المسيحيين من جديد، ولا مواثيق دولية أو تشريعات تحمي حقوق الإنسان، إنها الذكرى المئوية الأولى لإبادة الشعب السرياني "سيفو" التي تعرض لها الآباء والأجداد في مطلع القرن العشرين من قبل السلطنة العثمانية إذ طالهم السيف فيما كانوا آمنين عزل، كما صودرت ممتلكاتهم، وأهينت كرامتهم، وفي معظم الحالات أجبروا على ترك إيمانهم ودينهم وحولت الكنائس إلى حظائر للحيوانات ومطاعم ومعامل، وكان الهدف محو معالم الوجود المسيحي في المنطقة ووضع اليد على ممتلكاتهم وأوقافهم.
تصفيات جماعية
وبدأت المجازر تحت ذرائع وحجج ملفقة بوجود مؤامرة من قبل الشعب الأرمني لتدمير الإمبراطورية العثمانية، وادعى السلطان العثماني في سنة 1915، بوجود خيانة من الشعب الأرمني لتفتعل المجازر ويهجر الأرمن من الشرق بهدف إزالة هذا الشعب من المنطقة، علماً أن المجازر العثمانية بدأت ترتكب بحق الشعب السرياني منذ عام 1895، في منطقة ما بين النهرين ومناطق سيداس وساسون وخربوط، وأوعز الأتراك للعشائر الكردية حتى يكونوا أداة قتل في يدهم وبدأت التصفيات الجماعية في ولايات أورفا، وديار بكر، وطور عابدين، ومناطق أخرى، وتقول الإحصاءات إن عدد الضحايا مليون ونصف، إلا أن عدد الضحايا أكبر بكثير لاسيما أن التكنولوجيا التي تنقل وتوثق المجازر لم تكن متوفرة.
ويقول يوحنا إبراهيم المخطوف من قبل "داعش" إن العثمانيين أبادوا في ولاية ديار بكر 600 قرية بكاملها ولم يبق منها أحد.
ويضيف أن العثمانيين ارتكبوا المجازر في مركده، التي تقع على طريق دير الزور وتبعد نحو 60 كيلومترا عن محافظة الحسكة، وكذلك ارتكبوا المجازر في الشدادة وإلى اليوم يذهب المواطنون إلى القداس أمام المغارة، التي يبلغ طولها 5 كيلومترات نحو الخابور، وترابها حتى الآن مجبول في الدم ويوجد رفات للشهداء الذين استشهدوا، علماً أن تنظيم "داعش" قام بتفجير النصب التذكاري لـ"شهداء الأرمن" في مركده، وكنيسة "شهداء الأرمن" في دير الزور.
"مقولة البصل"
ويعاود مدير العلاقات العامة والبروتوكول في بطريركية السريان الأرثوذكس في دمشق، الربان موريس عمسيح، حديثه، قائلا إن المذابح التي نفذت بحق السريان استنادا إلى مقولة "بصلة بيضة وبصلة حمراء"، بمعنى أن جميع المسيحيين من البصل ولا فرق بين "البصلة البيضاء" (الأرمن)، و"الحمراء" (السريان)، في الذبح، حيث تم ذبح الشعب السريان الذين يتكلمون اللغة السريانية أياً كانوا "أرثوذكس" أو "كاثوليك" أو "كلدان" أو "آشوريين"، وجميعهم كانوا مقيمين في ماردين، وطور عابدين، وديار بكر، وأورفا.
كما قام العثمانيون بتصفية الأرمن في ثكناتهم العسكرية، ويقول عمسيح إنه حفيد لأحد شهداء المذابح، وأن والد جده كان في الجيش العثماني، فتم انتزاع السلاح منه لأنه مسيحي وتصفيته مع الآخرين، في حين أن الكثير من الأطفال والأهالي تشردوا، ولجأ الأرمن إلى سورية وفتحت الإقامة في "الجزيرة والقامشلي وحلب والشام…. وكما ذهب البعض للاستقرار في فلسطين ولبنان.
حرق الأيقونات
وأكد مسؤول العلاقات العامة أن المسيحيين يعيشون بكرامة وحرية مطلقة في سورية، ومازالت اللغة السريانية التي تعتبر اللغة الأم لسورية تدرّس في الأديرة والكنائس من الصف الأول وحتى الثانوية سواء للمسيحيين أو للمسلمين، علماً أن الرئيس بشار الأسد سمح بافتتاح معهد اللغة السريانية في معلولا، إلا أن الأزمة هجرت المواطنين ودمرت الكنائس، ونحن نصلي حتى تعود سورية إلى ما كانت عليه وأن تعود حمامة السلام وفي فمها غصن الزيتون، للترحم على جميع شهداء سورية و"سيفو" أجدادنا في تركيا.
ويختم موريس سرده قائلاً "العلم السوري في قلوب وأرواح جميع المسيحيين، وسيبقى المسيحيون في الشرق دعاة سلام ومحبة المسيح، رغم كل ما مر بهم سابقاً وما يمرون به حتى الآن من اضطهاد وعذاب وتهجير تحت وطأة "السيفو الجديد" الذي يرتكب من قبل الإرهابيين، لاسيما بعد قيام "داعش" بتهجير المسيحيين وتحويل الكنائس إلى محاكم داعشية لقطع الأيدي والرؤوس، كما حرقوا الأيقونات ودمروا التماثيل والصلبان ولونوا الكنائس بالأسود، لن ننسى دماء أجدادنا وآبائنا التي ستبقى رائحة المسيح الزكية تزيدنا تمسكاً بأرضنا".