نقلت مسؤولة السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، دعوات التدخل العسكري الخارجي في ليبيا إلى مرتبة المطالبة بتبنيها من قبل مجلس الأمن الدولي، حيث حاولت موغريني في كلمة لها أمام المجلس إقناع أعضائه بالموافقة على ذلك، تحت ذريعة التصدي لعمليات الهجرة غير الشرعية، و"إنقاذ الأرواح وتجنب وقوع خسائر بشرية إضافية في البحر"، واقترحت إرسال فرق عسكرية أوروبية إلى ليبيا، تتولى أيضاً مساعدة الحكومة الليبية على إرساء الاستقرار، على حد قول موغريني، التي ربطت تنفيذ هذه المهمة باتفاق أطراف النزاع في ليبيا على حكومة مصالحة وطنية.
موغريني كانت قد اعتبرت، في شباط (فبراير) الماضي، أنه من المبكر التفكير بعمل عسكري يقوم به الاتحاد الأوروبي في ليبيا، بيد أنها أبقت الباب موارباً أمام إمكانية التدخل مستقبلاً، بتأكيدها مقدماً أن بلدان الاتحاد ستدعم أي تحرك تقوم به الأمم المتحدة في هذا الاتجاه، وفهم حينها من هذا التصريح أن الاتحاد الأوروبي ينتظر ترتيب الأوضاع الداخلية الليبية، كي يتدخل تحت مظلة الأمم المتحدة، وهو ما يتطابق مع ما جاء في كلمة مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد أمام مجلس الأمن.
الغريب فيما قالته موغريني محاولتها التذاكي في لعبة مكشوفة، حاولت من خلالها استغلال مآسي المهاجرين غير الشرعيين، الذي غرق الآلاف منهم خلال السنوات القليلة الماضية، ويعاني الكثيرون منهم ظروفاً إنسانية قاسية في ليبيا، كدولة ممر، جراء بطش المليشيات بهم، وجشع وتنكيل المهربين، ومخاطر ركوب البحر.
وكأن موغريني تريد عدم تحميل البلدان الأوروبية الغربية أي نوع من أنواع المسؤولية عن مآسي المهاجرين غير الشرعيين، سواء في شكل مباشر أو غير مباشر، رغم أنه لا يمكن إعفاء تلك البلدان من المسؤولية، أقلها أن غالبية الأنظمة والقوانين فيها تغلق أبواب الهجرة عبر طرق شرعية، مما يجبر الراغبين في الهجرة، أو بالأحرى المضطرين لها، على تسليم أرواحهم ومدخرات عمرهم لعصابات تهريب البشر، كما أن بلدان الاتحاد الأوروبي لا تؤدي واجبها، كدول غنية، في دعم خطط وبرامج الأمم المتحدة لمكافحة الفقر، ومازالت تفضل لعب دور "قزم سياسي" في حل النزاعات بوسائل دبلوماسية، رغم أنها تصنف كـ"عملاق اقتصادي".
من اللافت أيضاً أن الأمين العام لحلف (الناتو)، ينس ستولتنبرغ، دعم بطريقة مواربة فكرة التدخل العسكري في ليبيا، مبدياً استعداد الحلف لدراسة أي مقترح من هذا القبيل تقدمه الأمم المتحدة، علماً بأن ستولتنبرغ نفسه رفض في الماضي فكرة التدخل العسكري في ليبيا، واعتبرها خطوة غير صائبة، لكن على ما يبدو الأجواء الأوروبية الداخلية تبدلت بزاوية 180 درجة، حيث باتت تصريحات وزيرة الدفاع الإيطالية، روبرتا بينوتي، التي أدلت بها في شباط (فبراير) الماضي لصحيفة "أل ميساجيرو"، بمثابة سياسة رسمية لدول الاتحاد الأوروبي، بينما نظر إليها حينها بكونها تغريداً خارج السرب.
يُذكر أن وزيرة الدفاع الايطالية أبدت حينها استعداد بلادها لتولي قيادة ائتلاف دولي- إقليمي واسع لوقف تمدد الجماعات الإرهابية على الأراضي الليبية. وأطلق رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، ووزير خارجيته، باولو جنتيلوني، تصريحات دعمت سياسياً اقتراح بينوتي، بالدعوة إلى تحرك سريع لإنشاء تحالف دولي- إقليمي، على غرار التحالف ضد تنظيم (داعش) في العراق وسورية، إلا أن تلك التصريحات لم تلق دعماً دولياً، بل أثارت مخاوف وانتقادات واسعة.
ما الذي تغير حتى تتبنى بلدان الاتحاد الأوروبي الدعوة الإيطالية، وتحولها إلى طلب أوروبي جماعي على طاولة مجلس الأمن الدولي؟ الإجابة هي أن الغرب يتصرف تحت انطلاقاً من الاعتقاد بأن الظروف مواتية للتدخل عسكرياً في ليبيا، وهو ما يثبت أن الغرب كان يتحين الفرصة، فمنذ شهور طويلة كان واضحاً أن العملية باتت مسألة وقت، ليس إلا، وأن التطورات على الأرض في المدى المنظور ستحدد زمانها ونطاقها وأدواتها وآلياتها، وما فعلته مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي أنها وضعت التدخل على صفيح ساخن أمام مجلس الأمن الدولي.