سبوتنيك- غزة- هشام محمد
وبعيونها الخضراء وتجاعيد وجهها، ترسم أملاً لأبنائها وأحفادها للعودة إلى قريتهم التي هُجروا منها، وتؤكد أنها تحتفظ بمفتاح المنزل رغم مرور كل هذه السنوات، وتحلم بالعودة إليه يوماً من الأيام، لتسقط بذلك المقولة الإسرائيلية المتطرفة التي تدعي أن "الكبار يموتون والصغار ينسون".
وتقول الحاجة سارة في لقائها بمراسل وكالة "سبوتنيك" الروسية: "خرجت من منزلي في قرية زرنوقة، وقد تركت الزيت والدقيق وشجر البرتقال والزيتون، ولم آخذ معي سوى مفتاح الباب، ويومياً أحلم أن أعود لبيتي".
تقع بلدة زرنوقة إلى الجنوب الغربي من مدينة الرملة الفلسطينية، وهي مشتقة من كلمة "الزرنوق"، التي تعني النهر الصغير، وتبلغ مساحة أراضيها نحو 7545 دونماً، وتحيط بها أراضي قرى عاقر ويبنا والقبـيـبة.
ذكريات صعبة
وتتحدث الحاجة سليم التي تسكن، اليوم، في مخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة، عن بلدتها زرنوقة، القرية الفلسطينية التي تتميز بجمالها وبساتينها وأراضيها ومزروعاتها ومساجدها، وتقول: "أريد العودة إلى دياري، فمهما مرت السنوات، ولو كنا نعيش في قصور، فنحن نريد العودة لبيوتنا هناك".
وسألنا الحاجة سارة عن أيام النكبة، فصمتت وعادت بها الذاكرة إلى أيام صعبة من لحظات الهجوم، عندما دب الرعب والهلع في نفوس اللاجئين، حينما قامت المنظمات اليهودية المتطرفة بهدم القرية وتشريد أهلها منها وبناء مستعمراتهم عليها، وكيف أن الجثث ألقيت على جوانب الطرق الممتدة.
وهدمت المنظمات اليهودية المتطرفة المسلحة القرية، وشردت سكانها البالغ عددهم نحو 2761 نسمة، في عام 1948، وأقام الصهاينة على أراضيها مستوطنة زرنوقة الصهيونية عام 1948.
مذابح منسية
ويصادف الخامس عشر من مايو/ أيار، الذكرى 67 لـ"نكبة فلسطين" التي شهدت عملية تشريد وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، وإحلال شعب آخر مكانه، حيث تم تهجير وتشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة "الاحتلال" الإسرائيلي، من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين، عام 1948، في 1300 قرية ومدينة فلسطينية.
وتشير البيانات إلى أن إسرائيل خلال مرحلة النكبة، سيطرت على 774 قرية ومدينة، وقامت بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، قتل خلالها ما يزيد على 15 ألف فلسطيني.
المعاناة واقعاً
ويشدد اللاجئون الفلسطينيون، وهم يحيون ذكرى النكبة الـ67 بفعاليات عدة ومختلفة، على عدم التفريط بأي شبر من أرضهم، ويؤكدون أنهم عائدون مهما مرت السنوات.
ويقول اللاجئ رجب عبدالباري: إن الفعاليات في هذا اليوم، هي رسالة تأكيد أننا لن نفرط بأرضنا، وعيوننا ترنو إلى حيفا ويافا والجليل واللد وغيرها من المدن.
ويضيف عبدالباري في حديث لوكالة "سبوتنيك" الروسية: "أن الجيل القديم يسلم أبناءه وأحفاده، وبالتأكيد أحد هذه الأجيال سيعود إلى أرضه، فنحن لن ننسى وطننا الذي سرق".
من ناحيته، يقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس دائرة شؤون اللاجئين، زكريا الآغا: "إن النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني فرضت واقعاً من المعاناة لا يزال ممتداً في التاريخ وجبهات الزمن، وبالإرادة الفلسطينية الصلبة سقطت المقولة الإسرائيلية "إن الكبار يموتون والصغار ينسون"، واستبدلت بعبارة ــ ما ضاع حق وراءه مطالب".
ويؤكد الآغا أن القيادة الفلسطينية لن تقبل أن يكون أبناء الشعب الفلسطيني وقوداً للآخرين، وأنها ستواصل العمل لوضع حد لمعاناة اللاجئين، وإعادة إعمار المخيمات ووقف محاولة إخلائها، وضرب حقنا في العودة من خلال جعل المخيمات أرض معركة، مشيراً إلى أن العمل جار على تعزيز صمودهم وتأمين حياتهم بالتعامل والتواصل مع الجهات الدولية.
تطهير عرقي
ويشير الآغا إلى أن العدوان الإسرائيلي المتواصل من خلال رفض الاعتراف بحق العودة، ومصادرة أملاك اللاجئين، وسياسة الاستهداف لأهل القدس، وشق الطرق الالتفافية، والتطهير العرقي، وطرد المواطنين في الجليل والنقب، تعيد للأذهان مشاهد النكبة.
ويحذر من أن المسعى الإسرائيلي لإقامة دولة يهودية عرقية يهدد بتهجير مليون ونصف فلسطيني يقيمون في أراضي 1948، ويهدد عودة 5 ملايين لاجئ لديارهم التي شردوا منها عام 1948.
ودعا الآغا المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته، ووقف العدوان وتوفير حماية دولية للفلسطينيين، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية التي تعطي الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولة كاملة السيادة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران.