تعمد مصادر عسكرية إسرائيلية إلى إعطاء تسريبات لوسائل إعلام غربية حول واقع ميداني في جنوب لبنان، وذلك في سياق تهيئة الرأي العام العالمي لحرب ثالثة من المرجح أن يشنها الجيش الإسرائيلي ضد مقاتلي "حزب الله"، وتؤكدها مقالات وتحليلات كتبها مسؤولون سابقون في المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، حاولوا من خلالها إرسال رسائل تهديد مبطنة للبنان، من خلال التوجه إلى المجتمع الدولي بطلب التدخل لتفكيك البنية العسكرية لـ"حزب الله" في منطقة جنوب الليطاني، حيث تزعم الجهات الاستخباراتية الإسرائيلية بأن الحزب أعاد بناءها خلال السنوات القليلة الماضية، خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي اتخذه المجلس في آب (أغسطس) 2006، لإيقاف الحرب بين الجيش الإسرائيلي ومقاتلي "حزب الله" والالتزامات المترتبة على الطرفين وفقاً لذلك.
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية نشرت في الرابع عشر من الشهر الجاري دراسة مطولة، مرفقة بخرائط وصور جوية حصلت عليها من مصادر عسكرية إسرائيلية، تكشف حسب مزاعم الجهات التي سربت المعلومات الواردة فيها أن "حزب الله" أعاد نشر مقاتليه ومنظومات صاروخية في جنوب نهر الليطاني، بالإضافة إلى أنه أعاد تأهيل شبكة أنفاق تحت الأرض، وقام بتخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. وذكرت المصادر التي تكتمت عليها الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي حدَّد آلاف الأهداف التابعة للحزب في المنطقة، ستكون ضمن (بنك الأهداف) التي سيهاجمها في حال اندلعت مواجهة عسكرية مع "حزب الله".
وتربط جهات رسمية إسرائيلية، عسكرية وأمنية، بين احتمالات اندلاع مواجهة وتطورات الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية، وبتقدير تلك الجهات مازال من المبكر الحديث عن حسم المعركة الدائرة بين الجيش النظامي السوري والمعارضة المسلحة، لكن وفق التقديرات ذاتها ثمة خشية في تل أبيب من أن يحصل "حزب الله" على منظومات سلاح متطورة، وإذا ما تأكد هذا السيناريو تؤكد تل أبيب أن ذلك سيكون بمثابة صاعق تفجير لحرب ثالثة على الجبهة الشمالية مع الحزب.
المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هرئيل لفت في مقالة له، نشرها في صحيفة (هآرتس) بتاريخ 15/5/2015، إلى أن الجيش الإسرائيلي يجري تدريبات مكثفة استعداداً لخوض حرب مع "حزب الله"، ونقل هرئيل عن دوائر مقربة من قيادة الجيش الإسرائيلي والاستخبارات أن المواجهة حتمية، فرغم أنه لا يجري الحديث في تل أبيب عن جدولة مواعيد متوقعة، إلا أنه يجري دراسة سيناريوهات للاحتمالات التي قد تترتب على نشوب حرب في أي لحظة، وكيفية الرد الإسرائيلي عليها.
ووفقاً لما رآه هرئيل في مقالته، تتعمد إسرائيل تسريب معلومات عن مزاعمها حول الانتشار العسكري لـ"حزب الله" جنوب نهر الليطاني، ليس فقط لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي والعالمي فقط، بل جعل الرأي العام في الولايات المتحدة والغرب يتقبل فرضية استهداف الجيش الإسرائيلي لمناطق مدنية في جنوب لبنان، مما سيتسبب في وقوع ضحايا في صفوف المدنيين.
وفي السياق نفسه ينقل هرئيل عن اللواء احتياط عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية، قوله: "إن سكان القرى في الجنوب اللبناني لن تكون لديهم حصانة كاملة في حال كانوا يسكنون بالقرب من أهداف عسكرية".
المقدم رون تيرا، خبير عسكري إسرائيلي ومؤلف كتاب "طبيعة الحرب"، حذّر في مقابلة له، أجرتها معه صحيفة (جروزالم بوست) الأسبوع الماضي، من تنامي قدرات "حزب الله"، وأردف: "إن حزب الله، من جانبه، آخذ بالتوسع، متخطياً نطاق منظمة حرب عصابات، وبدأ يكتسب قدرات دولة قوية. واليوم، بإمكان حزب الله العمل انطلاقاً من عمق أراضيه، والتي أصبحت تمتد في العام 2015 إلى مناطق أوسع من مجرد لبنان. ولذلك، فإن حملة عسكرية ضد حزب الله سيكون لها انعكاسات جديدة من حيث حجم مسرح القتال، والحدود، والتهديد الذي يمثله هذا التنظيم لإسرائيل".
ما قاله تيرا يخدم فكرة شن حرب إسرائيلية على جنوب لبنان، في كل السيناريوهات المطروحة. ورغم أنه يقر في موضع آخر من المقابلة بحقيقة عدم امتلاك إسرائيل موارد كافية في مشاريع لقولبة المنطقة، مما يملي عليها استخدام قوتها العسكرية في شكل متواضع، غير أنه يضع الحرب على "حزب الله" في خانة ما يسميه بـ"إحباط تهديدات ملموسة منتقاة في مناطق حيث هناك مصالح حيوية لإسرائيل"، وفقاً لما نقل عنه حرفياً.
في جميع الأحوال الحرب لا مفر منها في الحسابات الإسرائيلية، وتل أبيب تأخذها على محمل الجد وتستعد لها على قدم وساق، ولا تخفي أنها لن تتردد في ضرب مناطق مدنية، ليظل المجهول الوحيد في الحسابات متى ستبدأ الحرب التي باتت على الأبواب حسب التسريبات الإسرائيلية.