تواجه العديد من الجماعات المسلحة في سورية واليمن وليبيا والعراق والسودان اتهامات بتجنيد أطفال في المعارك، وأحياناً يتم التحايل على تجنيدهم بإدعاء تقديم تعليم لهم، ووثقت تقارير صادرة عن جهات دولية ومنظمات تدافع عن حقوق الإنسان وقائع وشهادات تدين تلك الجماعات.
منظمة "هيومن رايس ووتش" أكدت في تقرير نشرته العام الماضي أن "ويلات النزاع المسلح في سورية تصبح أكثر سوءاً بإرسال أطفال إلى الخطوط الأمامية"، وكانت منظمات حقوقية سورية مقربة من المعارضة قد كشفت عن أن 194 طفلاً قتلوا في سورية منذ أيلول (سبتمبر) 2011 جراء زجهم في أعمال قتالية، أو إشراكهم في أعمال مساندة للمقاتلين. وتجاهر عدة جماعات مسلحة في صفوف المعارضة بوجود أطفال بين مقاتليها، وهناك أيضاً تشكيلات وجماعات مسلحة موالية للحكومة السورية تضعها منظمة"هيومن رايس ووتش" ومنظمات حقوقية سورية على قائمة الاشتباه بأنها تجند أطفالاً.
بدورها لاحظت منظمات المجتمع المدني في ليبيا أن الميليشيات المسلحة تتسابق في مضمار تجنيد الأطفال، بتقديم إغراءات مالية كبيرة، إلى درجة أن مدارس إعدادية وثانوية، في مدن ليبية، باتت تعاني من نقص حاد في عدد الطلاب المنتسبين لها، لاسيما في درنة وبنغازي ومصراتة، وأحياناً تتم عمليات تجنيد الأطفال بالترهيب ويجبرون على تنفيذ أعمال انتحارية، ومنهم من يعانون من إعاقات ذهنية.
ورصد تقرير قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى مجلس الأمن الدولي ظاهرة تجنيد الأطفال في اليمن، من قبل الجيش والمليشيات القبلية وجماعة الحوثي وتنظيم (القاعدة) و(أنصار الشريعة). وتساعد رواسب في الثقافة المجتمعية القبلية في اليمن على تجنيد الأطفال، ونتيجة الأوضاع الاقتصادية المتدهورة تلجأ الأسر كثيرة إلى الدفع بأطفالها لحمل السلاح لتأمين لقمة عيشهم.
في سياق متصل، حذَّرت لجنة حقوق الطفل التابعة للأمم المتحدة، في شهر شباط (فبراير) الماضي، من أن "العديد من الأطفال في العراق ما زالوا تحت سيطرة جماعات مسلحة لا تعرف الرحمة، تستخدمهم كمقاتلين وانتحاريين ودروع بشرية..". وطالبت اللجنة بحماية الأطفال في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم (داعش)، ومنع تجنيدهم، ولفت تقرير اللجنة الأممية إلى أن هناك معلومات عن استخدام أطفال قاصرين لحراسة حواجز للقوات الحكومية، واحتجاز آخرين في ظروف قاسية بتهم تتعلق بالإرهاب.
وتبذل منظمات المجتمع الأهلي في السودان، بالتعاون مع المنظمات الدولة المختصة، جهوداً كبيرة لوقف جريمة تجنيد الأطفال، والعمل على تسريح المجندين منهم، وإعادة دمجهم وتأهيلهم، والإفراج عن الأطفال المختطفين في مناطق النزاع، حيث ارتفع عددهم في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان إلى مئات الأطفال في السنوات الأربعة الماضية. وأبدى المجلس القومي لرعاية الطفولة بالسودان، في شهر نيسان (أبريل) الماضي قلقه من تجدد وتزايد ظاهرة اختطاف وتجنيد الأطفال من قبل الحركات المتمردة، بالمناطق الشرقية بولاية جنوب كردفان.
ولا تقل عمليات تشغيل الأطفال في أعمال تتصل بدعم العمليات العسكرية خطورة عن المشاركة المباشرة في المعارك، مثل الحراسة في المواقع الخلفية أو نقل العتاد أو التجسس، ولم تسلم الفتيات القاصرات من أفعال تنظيم (داعش) في العراق وسورية، حيث قام التنظيم بسبيهن واستغلالهن جنسياً، وبالتالي هن يواجهن أيضاً مخاطر ربما في بعض الحالات أشد من تلك التي يواجهها الذكور القاصرون.
بشكل عام، وبصرف النظر عن اختلاف الظروف، ودرجة انتشار الظاهرة في البلدان المذكورة، وعن الكيفية التي يتم فيها تجنيد الأطفال، تؤدي مشاركة الأطفال في المعارك إلى آثار مدمرة على صحتهم النفسية وتعرضهم لمخاطر جسدية، مما ينتج عنه صعوبات بالغة التعقيد في عملية إعادة دمجهم مجتمعياً.
لقد حددت القوانين والأعراف الدولية "سن الثامنة عشرة بوصفها الحد القانوني الأدنى للعمر بالنسبة للتجنيد ولاستخدام الأطفال في الأعمال الحربية، وتضاف أطراف النزاع التي تجنِّد وتستخدِم الأطفال بواسطة الأمين العام في قائمة العار التي يصدرها سنوياً.."، لكن غالبية الأطراف المنخرطة في النزاعات المسلحة لا تراعي القوانين والأعراف.
وتعد عمليات اختطاف الأطفال جريمة حرب، وكذلك سبي الفتيات القاصرات اللاتي يتم إجبارهن على العمل كـ"إماء للأغراض الجنسية". وواحدة من المشاكل الكبيرة التي ستعترض طريق تلك المجتمعات، الغارقة في نزاعات مسلحة، تتمثل في وضع خطط مجتمعية لتقديم الدعم للأطفال الضعفاء الذين تضرروا بشدة من جراء الصراع، وذلك لتعزيز المصالحة وتجنب التمييز. ووفقاً لما تؤكد منظمة "اليونيسيف" "تتطلب هذه الإجراءات منظوراً والتزاماً طويل الأمد تجاه الأطفال والمجتمعات المحلية المتضررة من النزاعات التي يعودون إليها".
وإذا لم تتوقف النزاعات، أو على الأقل التزام أطرافها باحترام حقوق الطفل، ستدفع المجتمعات في سورية والعراق وليبيا واليمن والسودان فاتورة باهظة ستؤثر على مستقبلها، لأنها تطال الأطفال بما يمثلون من رصيد لاستمرارها وتطورها.