لم يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال السنوات الخمسة الماضية عن المشاغبة على جولات الحوار المتلاحقة بين السداسية الدولية، (5+1)، وطهران حول الملف النووي الإيراني، وكثيراً ما تطرق نتنياهو في سيل تصريحاته إلى ما كان يصفه بمعلومات موثقة من داخل قاعات المباحثات، وأثار ذلك غيرة مرة لغطاً بخصوص المصدر الذي استمد منه تلك المعلومات، التي ثبت لاحقاً أنه تم تحويرها خدمة لأغراض تل أبيب الهادفة إلى التخريب على المفاوضات، وتسميم الأجواء فيها.
واستدعى ذلك في بعض الأحيان تدخلاً من أطراف السداسية الدولية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية للرد على تصريحات نتنياهو، الأمر الذي شكَّل حرجاً دبلوماسياً كبيراً لواشنطن، التي دارت شكوك حولها بأنها تسرب معلومات للحكومة الإسرائيلية، إلى أن كشفت شركة "كاسبيرسكي لاب" الروسية، المتخصصة في أمن معلومات الحواسيب، عن عملية تجسس إلكترونية على فنادق استضافت جولات الحوار في جنيف وفينا، يرجح خبراء متخصصون أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية وراءها، وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في تقرير لها يوم أمس الأربعاء نقلاً عن مصادر في الشركة الروسية، أن "عملية التجسس تمت بواسطة زرع نوع متطوّر من فيروس الحواسيب المعروف باسم (دوكو ٢.٠) في حواسيب تلك الفنادق ومن خلال ذلك أتيح إمكان التنصّت على أحاديث جرت داخل الغرف المغلقة".
يضاف إلى ما سبق، حجم العملية والإمكانات التي يجب أن تتوفر لها، تتطلب أن تكون وراءها دولة، وليس مجموعة أفراد. فضلاً عن أن فيروسوس الحواسيب (دوكو ٢.٠)، الذي استخدم في التجسس يعد نسخة مطورة عن نسخة أقدم منه استخدمتها المخابرات الإسرائيلية في الماضي في عمليات مشابهة.
التعليق الرسمي الإسرائيلي على الاتهامات، الموجهة لتل أبيب، جاء على لسان نائبة وزير الخارجية الإسرائيلية، تسيبي حوتوبيلي، في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، حيث نفت الاتهامات، لكنها أردفت بالقول في مخالفة للنفي قبل أن يجف حبره: "من الأهمية بمكان منع التوصل إلى اتفاق سيئ مع إيران من شأنه أن يفسح المجال أمامها لتطوير قدرات نووية"، وهو ما يفهم منه أن إسرائيل لا ترى في واقعة التجسس المذكورة ما يمكن أن يدينها مبدئياً.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" قدمت شركة "كاسبيرسكي لاب" الروسية أدلة دامغة، تدين المخابرات الإسرائيلية، وسط تساؤلات إزاء الإجراءات التي يمكن أن تتخذها واشنطن بحق تل أبيب، بيّْد أن مراجع إسرائيلية قلَّلت من شأن ما ستسفر عنه التحقيقات السويسرية والنمساوية، وأكدت أنها لن تعدو نتائجها إثارة زوبعة دبلوماسية وإعلامية في فنجان، لن تمس في أي حال من الأحوال العلاقات الإستراتيجية الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أو بمعنى آخر ستضطر واشنطن إلى أن تقبل الصفعة في نهاية المطاف.
مما يعزز فرضية ترجيح تغاضي واشنطن عما أقدمت عليه تل أبيب تصريحات أدلى بها مسؤولون أميركيون، أكدوا فيها أن التجسس على المباحثات الأميركية ليس أمراً جديداً على إسرائيل، في إشارة ضمنية إلى أن واشنطن تمتلك معلومات، لم تصرح بها، بخصوص عملية التجسس الإسرائيلية على المفاوضات بين السداسية الدولية وإيران، بينما أعرب مسؤولون أميركيون آخرون عن ثقتهم بصحة التقارير التي تم تناقلها استناداً إلى ما كشفت عنه شركة "كاسبيرسكي لاب" الروسية.
وفي وقائع تجسس إسرائيلية سابقة على الولايات المتحدة الأميركية سرعان ما امتصت واشنطن الصدمة، بل وتم التعامل مع تبعاتها كمحظورات في التداول الإعلامي الواسع، من قضية الجاسوس الإسرائيلي الشهير بولارد، مروراً بالتجسس على مقار البعثات الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في الخارج عام 2001، وليس آخراً تجسس إسرائيليين، في واقعتين منفصلتين، على أسرار نووية وعسكرية في ولايتي تينيسى وجورجيا عام 2004.
ماذا ستفعل الولايات المتحدة هذه المرَّة في مواجهة صفعات التجسس الإسرائيلية المتكررة، الإجابة برسم إدارة الرئيس أوباما، وهي تتعلق بهيبة الولايات المتحدة التي لطالما داستها إسرائيل، دون خشية من عواقب ردود فعل الراعي الأميركي.