أخفقت حكومة الوفاق الوطني للسلطة الفلسطينية في أداء مهامها على مدار عام من تشكيلها في غزة صيف العام الماضي بعد اتفاق المصالحة بين حركتي (فتح) و(حماس)، الذي لم يبق منه عملياً سوى توليفة حكومية يعتقد على نطاق واسع بأنها استمرت أكثر مما يجب، لأنها فشلت في إنجاز أي شيء يذكر في مسار المهمة الأساسية التي جيء بها من أجلها، إلا وهي إنهاء الانقسام السياسي والكياني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وكخطوة أولى إعادة توحيد مؤسسات وإدارات السلطة الفلسطينية، ليصار بعدها إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية للسلطة، وتجديد الهيئات القيادية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والمجلس الوطني الفلسطيني بالرجوع إلى صناديق الاقتراع.
الجانب الأساسي في إخفاق حكومة الوفاق الوطني، برئاسة رامي الحمد لله، يكمن في أنها لم تستطع التواجد في قطاع غزة، كما أنها علقت منذ البداية في ملفات خلافية شائكة، كان مقدراً لها أن تصل بها إلى طريق مسدود، فضلاً عن أنها قامت على قطبية ثنائية بين حركتي (فتح) و(حماس)، وتم استبعاد باقي الفصائل الرئيسية في منظمة التحرير، وبالتالي هي لم تستند إلى وفاق وطني شامل، بين كل الفصائل والقوى الفلسطينية، يسمح بامتلاك الحكومة لبرنامج على أرضية وطنية مشتركة، تستطيع الحكومة من خلاله انجاز المهمة التي أنيطت بها.
الملفات الخلافية سريعاً ما ظهرت كعقبة كأداء في طريق حكومة الوفاق، لبقاء الخلافات بين حركتي (فتح) و(حماس) على حالها، إلى أن خرجت الحكومة بحصيلة صفر مكعب في مهمة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وفك الحصار المفروض عليه وفتح المعابر، وإعادة توحيد مؤسسات وإدارات السلطة، حيث قامت الحكومة بتشكيل لجان خاصة، لدراسة القضايا المدنية والمشاكل الإدارية الناجمة عن الانقسام، وفي مقدمتها تعيينات الموظفين وترقياتهم، لاسيما الذين جرى توظفيهم من قبل حكومة (حماس) بعد سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، والنظر في أوضاع الموظفين المفصولين، وتأمين الرواتب والموازنات للمؤسسات والإدارات الحكومية، وإيجاد حلول للمراسيم والقرارات الرئاسية والحكومية المختلف عليها بين حركي (فتح) و(حماس).
تمثل الاختبار الأهم والأصعب بتوحيد الأجهزة الأمنية، بين الضفة وقطاع غزة، لكن عدم وضع حلول للقضايا الإدارية في القطاع، وبقاء شكوك متبادلة بين الحركتين، أفرغ اتفاق المصالحة بين الحركتين من مضمونه، وأفشل إمكانية أن تؤدي الحكومة وظيفتها والمهام الملقاة على عاتقها، والتي كان يفترض أن تمهد لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني، عبر تجديد شرعية مؤسسات السلطة، الرئاسية والتشريعية، ومنظمة التحرير الفلسطينية بدءاً من المجلس الوطني، من خلال سلسلة من العمليات الانتخابية المتكاملة والمترابطة وفق جدول زمني محدد.
ناهيك عن الإجراءات التي قامت بها الحكومة الإسرائيلية لشل حركة حكومة الوفاق الوطني للسلطة الفلسطينية، ومنعها من أداء دورها وواجباتها، بفرض حصار مالي عليها، والتخريب على اتفاقها مع منظمة الأمم المتحدة لتنفيذ قرارات مؤتمر الدول المانحة في القاهرة لإعادة إعمار قطاع غزة.
وسيبقى المصاعب التي واجهتها حكومة الوفاق الوطني المستقيلة قائمة أمام أي حكومة قادمة للسلطة الفلسطينية، إلى جانب المهام الأخرى الملحَّة، النجاح في تجاوزها وتمكين الحكومة المقبلة من أداء مهامها يتطلب أن تكون هذه الحكومة حكومة وحدة وطنية فلسطينية، تشارك فيها كل القوى والفصائل الرئيسية الفلسطينية، وتستند إلى اتفاقات الإجماع الوطني، التي وقعت عليها كل تلك القوى والفصائل، ولا طريق آخر أمام الحكومة المقبلة يضمن نجاحها، فقد جرى تجريب الحكومات من لون واحد وفشلت كلها، كما فشلت حكومات القطبية الثنائية بين حركتي (فتح) و(حماس)، وللأسف لم يحظ الفلسطينيون بفرصة تشكيل حكومة وحدة وطنية، على أسس سليمة، وإعطائها دورها.
خلاصة تستدعي التعلم من دروس الماضي، والتمتع بما يكفي من إرادة سياسية لاتخاذ قرار بتشكيل حكومة وحدة وطنية، خلفاً لحكومة الوفاق القطبي الثنائي بين (فتح) و(حماس)، وتلزم الإرادة لأنه يجب على الحركتين تقديم تنازلات تصب في مجرى الإجماع الوطني.