ينعقد في واشنطن الحوار الإستراتيجي والاقتصادي الأميركي- الصيني، الأسبوع القادم، بنسخته السنوية السابعة، وسيدرج على جدول أعماله العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، ثنائية وإقليمية ودولية، "تتعلق بمصالح اقتصادية وإستراتيجية قصيرة وطويلة الأمد"، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأميركية.
ولوحظ على أبواب انطلاق الحوار اعتماد وزارة الخارجية الأميركية لهجة مختلفة في تقييم النتائج المتوقع صدورها عن الحوار، ففي حديث أدلى مساعد وزير الخارجية الأميركي المكلف شؤون آسيا الشرقية، دانييل راسل، كانت التوقعات متواضعة جداً، بتأكيده على أن الجانبين الأميركي والصيني "يسعيان إلى تسوية مشكلات، وكذلك إدارة مشكلات أخرى تبدو غير قابلة للحل". ويبدو أن قائمة المشاكل غير القابلة للحل أهم وأكبر، وأكثر تعيداً، مما يخلع على الحلول الممكن وضعها على طاولة الحوار صفة إدارة الخلافات، وليس حلها.
من بين تلك المشاكل، على سبيل المثال لا الحصر، نزاعات حدودية وبحرية بين الصين ودول في جنوب شرق آسيا، حليفة للولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى "القرصنة المعلوماتية" و"التجسس الاقتصادي"، وانخفاض سعر اليوان مقابل العملات الأخرى، وليس أخراً ملف حقوق الإنسان، الذي تحاول أن تضعه الإدارات الأميركية في الواجهة الإعلامية لأي مباحثات تجمعها مع الحكومة الصينية، بينما لا يعدو كونه وسيلة للممارسة ضغط على الصين لانتزاع مكاسب سياسية واقتصادية منها، في لعبة باتت مكررة دون جدوى.
بكين لا تنظر بارتياح إلى سياسات إدارة أوباما في منطقة جنوب شرق آسيا، وأكدت غير مرَّة أن تلك السياسات تضر بالأمن القومي الصيني والمصالح العليا للصين ودول المنطقة، بافتعال واشنطن لصراعات ونزاعات إقليمية، من خلال استغلال بعض القضايا الخلافية بين دول المنطقة وتضخيمها. وهذه من القضايا التي لا يمكن أن تذهب فيها الصين بعيداً في مسار تقديم تنازلات، وثمة إدراك متبادل بينها وبين الولايات المتحدة أن المطلوب في المرحلة القائمة احتواء الخلافات والأزمات، بالعمل على إدارتها، إلى حين يتضح ميزان قوى إقليمي ودولي جديد، لا يسير في صالح الولايات المتحدة وحلفائها.
حتى في القضايا الأقل حساسية من الصراع على النفوذ في منطقة جنوب شرق آسيا، تتمتع الصين بأفضلية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، فبالنسبة لسعر صرف الين، والذي يرتبط بالميزان التجاري الصيني، تتعامل الحكومة الصينية مع هذه القضية من منظور اعتباره من متعلقات السياسة الاقتصادية الصينية المستقلة، ورفضت ومازالت ترفض دعوات أميركية وغربية لرفع سعر تصريف عملتها، بينما تعمل واشنطن على خفض سعر صرف الدولار لرفع القدرة التنافسية للاقتصاد الأميركي، على حساب الاقتصاد في البلدان الأخرى.
وفي إقرار من قبل مسؤول أميركي رفيع المستوى، استطاعت الصين أن تنقل المنافسة الاقتصادية إلى طور جديد، في صالحها، حيث اعترف مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية بأن "بنك الاستثمارات الجديد في البنى التحتية" الذي أنشئ بمبادرة صيننية، من شأنه أن يغير من العلاقات القائمة في سوق التعاملات المالية العالمي، ولا مجال أمام واشنطن سوى أن ترى فيه مؤسسة مالية "قوية وبناءة".
أما فيما يخص العلاقات التحالفية الصينية، إقليمياً ودولياً، فمدى التأثير الأميركي عليها شبه معدوم، وتنتظر بكين أن تدرك واشنطن أنه آن الأوان للتعامل معها بندية، بعيد عن لغة إملاء عفا عنها الزمن، واحتفاظ الصين بعلاقات إستراتيجية مع روسيا دليل قوي على ذلك، بالإضافة إلى مواقف الصين حيال العديد من القضايا الإقليمية الساخنة.
تبقى بضعة قضايا على طاولة البحث، في النسخة السابعة من الحوار الإستراتيجي والاقتصادي الأميركي- الصيني، قابلة للنقاش، لكن يقع على واشنطن أن تعرض أدلة مقنعه، مثل اتهاماتها لصينيين بـ"قرصنة معلوماتية" وعسكريين صينيين بـ"التجسس الاقتصادي" على الولايات المتحدة.
وعموماً؛ إن أقصى ما يتوقعه المتفائلون، بالنتائج التي يمكن أن تصدر عن الحوار الاستراتيجي والاقتصادي الأميركي- الصيني، هو أن يصل البلدان إلى تفاهمات لإدارة الأزمات موضع البحث، والتي من الصعب وضع حلول لها.