الأسبوع الدامي بالعمليات الإرهابية، التي أودت بأرواح العشرات من المصلين، وأدت إلى جرح المئات، وهم يؤدون صلاة الجمعة في مسجد الإمام الصادق في الكويت، وطالت العشرات من السياح الأجانب في مدينة سوسة التونسية ما بين قتيل وجريح، وضربت في مدينة ليون الفرنسية، امتدت في نهاية الأسبوع لتشمل العمليات الإرهابية مستشفى (مولاي) لمرضى الجذام (البرص)، فجر يوم السبت، في ضاحية من ضواحي مدينة مايدوغوري الكبيرة في شمال شرقي نيجيريا، تبعد عنها حوالي 40 كيلومتراً، ذهب ضحيتها خمسة قتلى وعشرة جرحى، وحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس)، وقع الحادث جراء تفجير انتحاري نفسه قرب المستشفى، دون ذكر المزيد من التفاصيل.
العمليتان الإرهابيتان في الكويت وتونس كان المقصود منهما إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وغايتهما بث الرعب والترويع، وهذا ليس بجديد في استراتيجيات القائمين على التخطيط لمثل هكذا عمليات إرهابية وتنفيذها، ورغم أن عدد الضحايا في العمليين الإرهابيتين كان أكبر، وتأثيراتهما أوسع نطاقاً وأخطر، إلا أن العملية الانتحارية الإرهابية التي استهدف مستشفى (مولاي) لمرضى الجذام في نيجيريا توغل في لا إنسانيتها، فأي وحش من البشر يمكن أن يقدم، بدم بارد، على تفجير نفسه وسط مجموعة من المرضى يختلسون ما تبقى لهم من أنفاس بانتظار الموت.
في تفسير ظاهرة الانتحاريين من الناحية النفسية السيكولوجية للانتحاري، تؤكد الدراسات النفسية أن الانتحاري الإرهابي يعاني عادة من أزمات نفسية، وعدم قدرة على التكيف مع إطاره المجتمعي، ناهيك عن تحجره العقلي وتشبعه بالأفكار المتعصبة والمتطرفة، التي تكفر المجتمعات البشرية، الإسلامية منها قبل المجتمعات الأخرى في العالم، بفتاوى تحرف أصول العقيدة الديانة الإسلامية وتعاليمها، لكن تلك الفتاوى تتحول إلى باعث لـ(دينامية) كبيرة لدى الانتحاري بفعل الأزمات النفسية التي يعاني منها، ليصل به الأمر إلى تنفيذ عمليات إرهابية مروعة في شهر رمضان المبارك.
ولا يمكن إدراج أولئك الذين يرتكبون أعمالاً دموية وحشية، مثل استهداف مسجد أو سياح أو مدنيين أبرياء، في خانة من يميلون إلى ممارسة عنف سياسي، أو مجرد تطرف أيدلوجي، فهم يخضعون لعمليات ترويض فكرة ونفسية، من قبل تنظيمات إرهابية متطرفة، تجعل منهم أدوات قتل جماعية، دون هدف أو قضية محددة، سوى تكفير المجتمعات البشرية والرغبة في الانتقام منها.
النظريات العلمية التي تهتم بظاهرة الانتحاريين وضعت اثني عشر مقاربة لهذه الظاهرة، وفقاً لما يؤكد الباحث المغربي الدكتور المصطفى الرزرازي: "المقاربة الفسيولوجية، مقاربة الإحباط والعدوان، مقاربة أثر الثقافات الفرعية، مقاربة الهويات السلبية، مقاربة الغيظ النرجسي، مقاربة التحول التدريجي نحو الإرهاب، مقاربة الاغتراب، مقاربة القمع المولد للعنف، مقاربة الموت من أجل القتل، مقاربة الموت من أجل الانتصار.. الخ".
المقاربات ربما تقدم علمياً مدخلاً لفهم تنظيرات وفتاوى الجماعات الإرهابية المتطرفة، واعتناق فئات من الشباب في المجتمعات الإسلامية لتلك التنظيرات والفتاوى التحريفية التكفيرية، بما تمثله من خزان للفكر المتطرف، ومن دافع لتنفيذ عمليات إرهابية، غير أنه لا يمكن فهم كيف يُستهدف مرضى في مستشفى للجذام بعملية تفجير انتحارية إرهابية!
فهذا العمل المتناهي في قسوته لا يصدر إلا عن مرضى نفسيين، يظنون أنهم في اعتناقهم للأفكار المتطرفة وإتباعهم للفتاوى التحريفية يرتقون نحول المثالية، بينما هم في حقيقة الأمر ينحدرون إلى مستنقع الإجرام، وتغذيهم مشاعر الحقد والكراهية والانتقام من الجميع، دون البحث عن سبب لهذه المشاعر العدوانية..
إنها سيكولوجية القتل الوحشي، التي تعبر عن انعدام القيم والمثل الإنسانية لدى من يمارسون الإرهاب، وهي آفة تهدد استقرار المجتمعات البشرية، فتحول التنظيمات المتطرفة من تنظيمات مركزية إلى ما يشبه مظلات، لمجموعة واسعة من تنظيمات محلية متطرفة، يهدد بانتشار العمليات الإرهابية على نطاق واسع، مروحة استهدافها لا تستثني أحد، والدليل استهداف مستشفى لمرضى الجذام في نيجيريا.