ينتظر أن تشهد أعمال قمة "منظمة شنغهاي للتعاون"، والمعروفة اختصاراً بـ(سكو)، نقلة نوعية في أعمالها، خلال القمة التي تستضيفها مدينة آوفا الروسية ما بين 8-10 من شهر تموز (يوليو) الجاري، حيث سيتم توسيع عضوية المنظمة لتشمل الهند وباكستان، وهو ما يمثل إضافة نوعية ستترك آثاراً إيجابية على عمل المنظمة حاضراً ومستقبلاً، على مختلف الأصعدة التي تنشط فيها (سكو)، والتي لم يعد من الممكن حصرها فقط في مكافحة الإرهاب ومواجهة التطرف والحركات الانفصالية والتصدي لتجارة الأسلحة والمخدرات، إذ ينظر إلى المنظمة باعتبارها أقرب ما يكون إلى حلف سياسي وعسكري، ويتم العمل على تطويره اقتصادياً.
منذ تأسيسها بصيغتها الراهنة في العام 2001 أثبتت "منظمة شنغهاي للتعاون" قدرتها على بناء منظومة أمنية متطورة وفاعلة، في مجال مكافحة الإرهاب وتجارة المخدرات، ولعل هذا النجاح شجع على توسيع نطاق التعاون بين الدول الأعضاء في المنظمة، كما شجع دولاً أخرى على طلب الانضمام إلى المنظمة، التي شملت عضويتها في البداية ست دول فقط، "الصين، روسيا، كازاخستان، قرغيزيا، أوزباكستان، طاجيكستان"، والتحقت بعدها بالمنظمة، كأعضاء مراقبين، الهند وباكستان وإيران وأفغانستان ومنغوليا، بالإضافة إلى بيلاروسيا وسريلانكا وتركيا كشركاء استراتيجيين في الحوار.
ومن شأن توسيع عضوية الـ(سكو) لتشمل الهند وباكستان تحقيق العديد من الفوائد للمنظمة ككل، وعلى مستوى العلاقات الثنائية بين الهند وباكستان، كما أن هذه الإضافة مهمة جداً لتمكين الـ(سكو) من مواجهة الأخطار والتحديات القادمة، في ظل عالم متعدد الأقطاب، ومن تلك الأخطار الصراعات والأزمات التي تهدد السلم والأمن العالميين، واحتواء آثار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، والعمل على منع تكرارها، وتأمين موارد الطاقة، والأمن الغذائي.. الخ.
بشكل مباشر؛ إن انضمام الهند وباكستان إلى عضوية الـ(سكو) سيمكن المنظمة من معالجة التداعيات المحتملة في أفغانستان، وانعكاساتها على دول الجوار، بعد أن تنسحب منها قوات (إيساف) التابعة لحلف شمال الأطلسي، لاسيما في ضوء الفوضى الأمنية التي تشهدها العديد من البلدان، نتيجة تمدد تنظيم (داعش)، وأفغانستان من الدول المرشحة لتمدد التنظيم، وهو ما سيشكل تحدياً أمنياً كبيراً لكل دول جوار أفغانستان.
وفي الإطار الأوسع، إن انضمام الهند وباكستان إلى "منظمة شنغهاي للتعاون"، كدولتين دائمتي العضوية، يرفع عدد الدول النووية في المنظمة إلى أربعة دول، روسيا والصين والهند وباكستان، ويصبح عدد سكان دول المنظمة ما يقارب نصف سكان العالم. ورغم أنه ليس من أهداف المنظمة تشكيل حلف عسكري، ينافس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلا أن مستوى التنسيق العسكري المتقدم بين الدول الأعضاء في الـ(سكو) يخلق معادلة جديدة على المسرحين الآسيوي والأوروبي، ستشكل حاجزاً أمام مخططات (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي تتطلع من خلال خططها الإستراتيجية للقرن الحادي والعشرين نحو السيطرة على منطقة المحيط الهادي وشرق آسيا، فضلاً عن نفوذها التقليدي الكبير في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.
وخلال السنوات الماضية استطاعت "منظمة شنغهاي للتعاون" أن تفرض نفسها على المسرح الدولي، في عالم متعدد الأقطاب وليس محكوماً بقطبية أحادية أميركية، والارتقاء بفاعلية ودور الـ(سكو) إلى هذا المستوى سيفضي إلى قلب موازين النسق الدولي برمتها، فالقدرات الاقتصادية والعسكرية لدول المنظمة تفوق قدرات الولايات المتحدة الأميركية ودول (الناتو)، أو على الأقل توازيها. واستشعاراً منها للدور الذي باتت تلعبه منظمة الـ(سكو) في وقت مبكر حاولت الولايات المتحدة التخريب على عمل المنظمة، عبر محاولة الانضمام إلى عضويتها بصفة مراقبة، وبعد رفض طلبها حاولت أن تفرض مراقبة على المناورات العسكرية المشتركة لدول المنظمة، وقوبل هذا الطلب بالرفض أيضاً.
ومما لا شك فيه، يبدو أن كل العوامل الموضوعية تصب في صالح تطوير عمل "منظمة شنغهاي للتعاون" وتوسيعه، وتحوله إلى قطب دولي فاعل، عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، ودخول الهند وباكستان نقلة نوعية جديدة في مسار المنظمة.