خطف تنظيم (داعش) الأضواء الإعلامية في أول أيام عيد الفطر ليس بفضل مباركته للمسلمين بالعيد، وخاصة من يرزحون تحت سيوفه في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسورية، بل بارتكابه ثلاث جرائم مروعة، أعنفها من حيث عدد الضحايا تفجير سيارة مفخخة في ناحية خان بني سعد في محافظة ديالى، والقريبة من بغداد، حيث سقط أكثر من مئة وعشرين ضحية وعشرات الجرحى، لكن تنظيم (داعش) ارتكب جريمتين في السعودية وسورية، أول أيام عيد الفطر، لا تقلان وحشية عن مجزرته في ديالى، الأولى استهدفت نقطة تفتيش في العاصمة السعودية الرياض، والثانية في مدينة حمص السورية.
فرغم أن أعداد الضحايا في الجريمتين الأخيرتين كانت أقل بكثير من جريمة تفجير سيارة في ناحية خان بني سعد العراقية، إلا أن رمزية جريمتي الرياض وحمص ربما تكون صادمة بدلالتها المجتمعية والثقافية والأخلاقية والإنسانية، لأنها غير مسبوقة ربطاً بما يمثله عيد الفطر عند المسلمين دينياً ومجتمعياً، وبالطبع هذا لا يقلل من بشاعة الجريمة الأولى وخبث الأبعاد المقصودة من وراء ارتكابها.
إمعاناً في الترويع، والاستهتار بكل القيم الإسلامية والإنسانية كافة، نشر تنظيم (داعش) صوراً لطفل صغير يقوم بذبح ضابط من الجيش السوري النظامي أسير لدى التنظيم، الطفل كما يبدو في إحدى الصور دون العاشرة من العمر، يرتدي زياً عسكرياً مموهاً من الطراز الذي يميز الدواعش، ويقف فوق ظهر رجل مقيد اليدين وملقى على الأرض، وفي صورة ثانية يظهر الطفل وهو يحمل بيده رأس رجل مقطوعة والدماء تسيل من سكين يمسكها باليد الأخرى.
الصادم في هذه الصورة أن الأطفال في مثل هذا العمر كانوا ينتظرون عيد الفطر بفارغ الصبر، كي يحصلوا على عيدية من الوالدين والأهل والأقارب، ليخرجوا إلى ساحات العيد، في ساعات فرح تبقى مزروعة في ذاكرتهم ووجدانهم طوال العمر، كأيام خير وبركة وتسامح، ويريد تنظيم (داعش) بنشره لصور جريمته غير المسبوقة أن يشوَّه صورة العيد في أعين الأطفال وذاكرتهم، بل تشويه وإهدار كل القيم الدينية والإنسانية التي لطالما عكستها طقوس العيد، وهي جريمة لا يمكن وصف قسوتها، ناهيك عن تأثيراتها المدمرة للمجتمع حاضراً ومستقبلاً، وهي تشكِّل صدمة هزت ضمير من رآها، لاسيما من السوريين.
جريمة الرياض التي ارتكبها شاب سعودي في مقتبل العمل، تم تجنيده من قبل (داعش)، كانت أيضاً صادمة للمجتمع السعودي، فرغم أن السعوديين عانوا في السابق من جرائم تفجير إرهابية قامت بها جماعات متطرفة، إلا أن الحيثيات التي رافقت الجريمة الأخيرة تدل على مدى تخريب تنظيم (داعش) لعقول الشباب الذين يستقطبهم، وقدرته على دفعهم إلى ارتكاب جرائم غاية في الوحشية.
مرتكب الجريمة، المدعو عبد الله فهد عبد الله الرشيد، قام بقتل خاله، ويدعى راشد الصفيان، وهو أحد ضباط الداخلية السعودية برتبة عقيد، ومما يزيد وحشية الجريمة المنكرة أن الشاب القاتل عاش وترعرع في كنف خاله القتيل، وقتله لأن الدواعش أشبعوه بفكر متطرف جعله يرى في خاله، الذي رباه ورعاه وأحسن إليه، مرتداً عن الإسلام يجب قتله، ومن ثم قام بسرقة سيارة خاله القتيل لينفذ بها جريمة استهداف وتفجير نقطة تفتيش لقوى الأمن الداخلي السعودية في الرياض.
أكثر من ذلك، القاتل لم يكتف بإطلاق أربع رصاصات في رأس خاله، الذي وقع على الأرض، بل أجهز عليه طعناً بالسكين في أماكن متفرقة من جسمه، في تصرف ينم عن كم هائل من الحقد، لا يمكن أن يصدر عن إنسان لديه ذرة من الإنسانية، غير أن (داعش) استطاع أن يصل بشاب، في مقتبل العمر، إلى هذا الدرك السفلي من التطرف الأعمى المنافي للحد الأدنى من الوازع الأخلاقي، وإلا ما كان من الممكن أن يقدم على جريمة قتل خاله الذي رباه ورعاه.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ ماذا يريد الدواعش من وراء تنفيذ مثل هكذا جرائم تزامناً مع عيد الفطر؟ الإجابة على هذا السؤال بسيطة رغم بشاعة وقسوة تلك الجرائم، فتنظيم (داعش) يريد أن يهدم البنيان الأخلاقي والإنساني للعقيدة الإسلامية وللمجتمعات العربية، أن يقضي على الفرحة والبهجة والتسامح والإخاء، من خلال الترويج لفكر متطرف لا يتورع عن استخدام الحد الأقصى من الترويع بارتكاب جرائم غير مسبوقة ودموية، جنباً إلى جنب مع تفجير صراعات طائفية ومذهبية لتفتيت النسيج المجتمعي العربي والإسلامي، واختار تنظيم (داعش) أن يضع بصمته هذه المرة على عيد الفطر، الذي لم يعد أحد يجرؤ أن يصفه بالسعيد، في وقت تسيل فيه الدماء بغزارة في العديد من البلدان العربية.. إنه عيد فطر على الطريقة الداعشية هذا العام.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)