أثار المخطط الإسرائيلي لهدم قرية سوسيا الفلسطينية، جنوب الخليل، حفيظة دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وكان من غير المألوف أن يطلق الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية تصريحاً شديد اللهجة قال فيه: "إن انعكاسات هدم القرية ستكون أكبر من الضرر اللاحق بسكانها، فهو يعكس واقعاً سلبياً عن اقتلاع أشخاص وضم أراض".
وكأن الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية يتعامل مع حادثة غير مسبوقة من نوعها، متجاهلاً سياسات الاحتلال الإسرائيلي القائمة على اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، أو اقتلاعها من بين أيديهم، لخلق واقع ديمغرافي جديد في الأراضي الفلسطينية، يصعب تجاوزه في أي تسوية شاملة ومتوازنة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
ورغم التحذيرات الأوروبية والأميركية، إلا أن الحكومة الإسرائيلية أكثر تصميماً، وفقاً لما يبدو من ردود أفعالها، على هدم قرية سوسيا، بل وتميل بعض التحليلات في تل أبيب إلى أن تحوُّل هذه القرية إلى رمز لمواجهة الاستيطان الإسرائيلي، والوقوف في وجه اقتلاع الفلسطينيين من أراضيهم ومصادرتها، سيزيد من إصرار حكومة نتنياهو على هدم القرية، في الوقت الذي قابلت فيه الانتقادات الأوروبية والأميركية بالإعلان عن خطط لبناء 668 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967، وحسب تقرير نشرته صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، من المنتظر أيضاً أن يصادق مجلس الوزراء الإسرائيلي على "شرعنة 179 وحدة استيطانية شيدت من دون ترخيص قبل 20 عاماً، وتطبيق اتفاق الخنوع الموقع مع المستوطنين سنة 2012 ، والموافقة أيضاً على بناء مسكنين في بيت إيل مكان اللذين أمرت المحكمة العليا بهدمهما، وإقرار خطط لبناء وحدات سكنية في معاليه أدوميم وغفعات زئيف وبسغوت وبيت أريه"، وفقاً لما جاء حرفياً في تقرير (هآرتس).
والهدف الذي تسعى إليه الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل، من وراء ذلك، هو استغلال التوقيع على الاتفاق بين مجموعة (5+1) وطهران، لسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وإرضاء غلاة المستوطنين اليهود في القدس الشرقية المحتلة وباقي أراضي الضفة الغربية، حيث تحوَّل التملق للمستوطنين محل تنافس، لا غنى عنه، بين كل ممثلي الأحزاب في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية، لاسيما منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو.
وليس من قبيل المبالغة أن ينظر كثير من الإسرائيليين أنفسهم إلى الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية بكونها أدت إلى نشوء دولة للمستوطنين، هي من يحكم إسرائيل ويوجه دفة سياساتها الداخلية والخارجية، بما يمنع في ثناياه من الوصول إلى تسوية سياسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس (حل الدولتين)، وهو ما دفع صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية للتحذير، في افتتاحية عددها الصادر يوم الخميس 23/7/2015، من نتائج الإعمال الاستيطانية على مستقبل إسرائيل بالقول: "إن هذه الحكومة التي أنشأت دولتين لليهود، أولاهما داخل الخط الأخضر والثانية خارجه، قد تحكم بذلك تشبثها بالمستوطنات، لكنها تفقد شرعيتها..".
في تقييم ما قد ينتج عن حملة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لوقف هدم قرية سوسيا جنوب الخليل، وعن تصريحات شجب مخططات وأعمال البناء الاستيطانية الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة وباقي أراضي الضفة الفلسطينية، لا يعول الفلسطينيون على أن تثني تلك الحملة والتصريحات الشاجبة حكومة نتنياهو عن هدم القرية ومواصلة الاستيطان في العديد من الكتل والبؤر الاستيطانية المعزولة، وتوسيع البناء في الأخيرة ينطوي على مخاطر كبيرة بمزيد من تفتيت الأراضي الفلسطينية، التي تحولت بفعل الاستيطان الإسرائيلي إلى ما يشبه قطعة جبن سويسرية، يستحيل أن تقام عليها دولة فلسطينية مستقلة، متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة.
وهي بذلك تتحدى إرادة المجتمع الدولي الذي أجمع على إدانة الاستيطان الإسرائيلي، ومطالبة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالتوقف عنه، ولن تتوقف تل أبيب عن تحدي المجتمع الدولي إلا عندما توقن أنها ستكون عرضة للمساءلة والمحاسبة على انتهاكاتها للقانون الدولي. وفي هذا الحيز، لا مصداقية لمواقف الأوروبيين والأميركيين في إدانة الاستيطان إلا باتخاذ مواقف عملية لإجبار إسرائيل على احترام التزاماتها كدولة احتلال، والنزول عند القرارات والمواثيق الدولية التي تؤكد على تسويه شاملة للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ينال فيها الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة أسوة بكل شعوب المعمورة.