دمشق — سبوتنيك — فداء محمد شاهين
وصلنا إلى مقام "مارجرجس" للسريان الأرثوذكس، الذي يقع في حارة "حناينا" في السور الجنوبي لمدينة دمشق القديمة ويبعد عن ساحة باب توما نحو 200 متر، واشتهر بزائريه من داخل سورية وخارجها، لطلب الشفاء من مرض أو تخقيق الأمنيات، ومن يتردد الآن إلى المقام لا يخلو دعائهم من التوسل إلى الله تعالى لعودة المخطوفين بخير، وانتهاء الحرب الجائرة على بلدهم.
تقدمنا بدخول الباب والسير بضع خطوات تحت السقف المقنطر المكسو بقطع حجر صغيرة يغلب عليها اللون الأحمر، لنصل إلى المكان حيث توجد صورة "مارجرجس" الشهيد، في صدر المقام وعلى الجدار الأيسر برواز يحوي سيفاً وقطعاً فضية ومسابح، وتزين الجدران لوحات رسمت عليها صوراً للسيد المسيح والسيدة العذراء، وكتب على بعضها أسماء المتبرعين والمخطوفين والشهداء.
وعلى مقعد خشبي جلست خادمة المقام "حسبة دنبر"، التي حدثتنا عن عدد الزائرين قبل الحرب من مختلف البلدان والطوائف، حيث يقوم كل مريض بدهن مكان الألم من فيضان الزيت في القنديل المعلق أمام الصورة ويطلب الشفاء، ليعود بعد شفائه ويضع لوحة أو أي شيء آخر يتبرع به، أو قطعة من الفضة صممت بحسب مكان الوجع كرمز ليد أو رجل أو رأس، في البرواز المعلق داخل المقام.
و أكملت خادمة المقام بالقول، أنه في مكان المقام في الخمسينيات من القرن الماضي كانت كنيسة للارثوذكس، وعندما بنيت "البطركية" في حارة سفل التلة، التي تبعد عن المقام نحو 300 م، تم نقل الصورة إلى البناء الحديث، وبعدها ظهر لوكيل الكنيسة القديس "مارجرجس"، وطلب بأن تبقى صورته في مكانها، وعندها بني مقام في الكنيسة التي مازالت موجودة حتى الآن، وكانت تعلم اللغة السريانية في القسم الآخر بجانب المقام، وأكد الأهالي تحول وجه "مارجرجس" في الصورة إلى صورة السيدة العذراء، وأنه رغم القذائف التي تسقط يومياً على باب توما، إلا أن حارة حناينا محمية من قبل "مارجرجس" الشهيد.
وتضرعت "دنبر" إلى الله أن ينزل الرحمة برؤساء الطوائف والدول، حتى تأتي الشفقة على شعب سورية وتعود الحياة إلى ما كانت عليها، وأن يحمي الجيش السوري، وأن يتم تحرير المطرانين بولس وإبراهيم الذين اختطفتهم "جبهة النصرة" في حلب.
وتقول الأعجوبة المعلقة داخل المقام، بأن الكنيسة أنشأت باسم الشهيد "مارجرجس" في سنة 1863م، وفي عهد البطاركة مار اغناطيوس يعقوب الثاني ومار يوليوس بطرس الموصلي مطران سورية، ووضعت فيها صورة "مار جرجس"، التي شاء الله أن يجترح بواسطتها العجائب الزاخرة بالشفاء للمؤمنين الذين يقصدونها، ومنها العجائب الثلاث.
جرس الكنيسة يقرع من تلقاء نفسه
ويحكى أنه في منتصف أحد ليالي سنة 1936، عندما كان الناس نيام، شب حريق هائل في أحد معامل الباب الشرقي القريبة من الكنيسة، واقترب من الأبنية المجاورة للكنيسة حتى كاد يلتهم بناء الكنيسة بالذات، فإذا بجرس الكنيسة يقرع طويلاً من تلقاء نفسه، لينبه الناس على أن هناك حريقاً يلتهم المكان، فاستيقظ الناس على صوت الجرس متسائلين ما عسى أن يكون هذا الأمر، فجاءوا إلى الكنيسة ووجدوا الباب مغلقاً فكسروه، ولما دخلوا رأوا الجرس يقرع من تلقاء نفسه، ثم عاينوا الحريق الهائل يتقدم من الكنيسة، وقالوا أن "مارجرجس" أيقظهم ليحتاطوا لذلك الخطر المحدق بهم وبالكنيسة وبما جاورها من البيوت، واخبروا المسؤولين الذين أسرعوا لإطفاء الحريق، و"أكد" الناس هذه "الأعجوبة" التي اجترحها مارجرجس رافعاً من شأن الكنيسة.
والأعجوبة الثانية كانت في فيضان الزيت في أحد أيام سنة 1944، حين أخبر "قندلفت" الكنيسة سليمان الخوري، أن زيتاً يفيض من صورة "مارجرجس" ومن قنديل الكنيسة، فتدفق الناس إلى الكنيسة لمشاهدة الحدث الخارق، فلما مسحوا الزيت من الزجاج الذي يغطي الصورة فاض غيره، وفعلوا هذا مراراً ولم ينقطع الزيت عن الفيضان، فآمنوا جميعهم بذلك، إلا واحداً، يدعى الدكتور فهمي شهرستان، الذي شك في الأمر، معتبراً أن الزيت ينبع من الطاقة الموضوعة فيها الصورة فأخذ وقلب الصورة فلم ير وراءها سوى نسيج العنكبوت، واعترف بأن فيض الزيت من الصورة ذاتها.
أما الثالثة فكانت بظهور نور وزيت في 15 أيار من سنة 1946، وهو "عيد العذراء" لبركة السنبل، كان "القندلفت" السيد عبد المسيح غريبو مريضاً، يسكن في بيت الوقف الذي يلاصق الكنيسة، فتراءى لزوجته في الحلم شخص يقول خذيه إلى "مارجرجس"، وفعلاً قامت وتوجهت إلى الكنيسة لتنظفها، ولما دخلتها رأت فيها نوراً يلمع كالبرق الخاطف، فخافت وخرجت مهرولة إلى بيتها ثم عادت مرة أخرى فرأت زيتاً يفيض على صورة "مار جرجس" نازلاً من الشرق والغرب، فمسحت الصورة بمنديل نظيف وأخذته ووضعته على زوجها فشفي، ثم أخبرت بذلك القس اندراوس عساف كاهن الكنيسة، وأما المنديل فاحتفظت به هذه العائلة حتى اليوم.