وها هي أزمة جديدة ذات طابع قديم تعيد إطلالتها البائسة على القطاع الذي بات مهددا بأزمة مياه كارثية خطيرة؛ جراء التلوث الشديد للمصادرالمزودة للمياه وارتفاع نسبة الملوحة فيها، فضلا عن النقص الحاد في إمدادات مياه الشرب في القطاع بأكمله، مما ينذر بكارثة إنسانية محتملة.
مياه محرمة
يعتمد 60% من سكان قطاع غزة على موردي المياه من القطاع الخاص للحصول على مياه الشرب، حيث ينفق معظمهم ما يقارب ثلث دخلهم للحصول عليها، في حين يعتمد ما تبقى من السكان على "شبكات البلديات" المزودة للمياه، ويحصلون على إمداداتهم من المياه لفترة تتراوح ما بين 5 و8 ساعات فقط كل ثلاثة أيام.
وفي ظل هذه الأزمة الجديدة القديمة، فإن 120 ألف شخص في قطاع غزة ما زالوا محرومين من مصادر مياه آمنة ومستمرة، إذ أنهم غير موصولين بشبكات المياه في القطاع.
أضرار حرب
وتقول عبير أبو شاويش منسقة "فريق المناصرة" في مجموعة المياه والصرف الصحي "إن 32% من السكان أيضاً باتوا غير موصولين بشبكات الصرف الصحي، نتيجة الأضرار التي خلفتها الحرب الإسرائيلية صيف 2014، إضافة إلى القيود الإسرائيلية المفروضة على إدخال المواد اللازمة لإعادة إعمار البنية التحتية لقطاع المياه والصرف الصحي".
وأوضحت أن "33 ألف متر من شبكات المياه والصرف الصحي تعرضت للدمار جراء الحرب الأخيرة، إضافة إلى تدمير العديد من الآبار الرئيسية ومحطات التحلية ومحطات الصرف الصحي، ناهيك عن الأضرار التي لحقت بمحطة تزويد الكهرباء التي توفر الكهرباء لمنشآت المياه والصرف الصحي".
وتقدر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية الرئيسية للمياه والصرف الصحي جراء حرب 2014 بـ 34 مليون دولار أمريكي، بحسب تقرير "فريق المناصرة".
تفشي أمراض
في ظل هذه الأزمة يسعى المواطنون في غزة، خاصة أولئك الذين تضرروا بشدة من الحرب الإسرائيلية الأخيرة، إلى توفير المياه بشتى السبل من أجل تأمين الاحتياجات اليومية والذاتية لهم ولأسرهم.
ويقول إسماعيل الخيسي من سكان حي الشجاعية شرقي غزة، في حديث مع وكالة "سبوتنيك"، "إن وضع المياه في الشجاعية مأساوي جداً، لإن شبكات المياه والصرف الصحي تم تدميرها بشكل كامل خلال الحرب الأخيرة، وبات الحي يعاني شحاً في المياه العادية، إضافة إلى المياه المخصصة للشرب".
وأوضح الخيسي الذي يسكن في بيته المدمر هو وعائلته المكونة من سبعة أشخاص أنهم يقومون بنقل المياه من خلال خزانات صغيرة لسد حاجة البيت، مؤكداً "عدم وجود المياه في أوقات كثيرة مما يشكل أزمة كبيرة، خاصة مع الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، مما يزيد من الأضرار الصحية وتفشي الأمراض في المنطقة".
حال الخيسي لا يختلف كثيراً عن حال إبراهيم النجار الذي يسكن شرق مدينة خانيونس جنوب القطاع، ويؤكد النجار لـ"سبوتنيك" أنهم يتدبرون المياه بصعوبة شديدة، حيث أنها لا تكفي لقضاء احتياجاتهم الإنسانية الطبيعية.
وأضاف "بعد الحرب الإسرائيلية التي دمرت الحجر والبشر والبنية التحتية للمدينة، أصبح الماء عملة نادرة وغالية يسعى المواطن بكل ما أوتي من قدرة وقوة لتوفيرها، إضافةً إلى درجة الملوحة العالية في المياه، وارتفاع أسعار المياه الخاصة بالشرب".
استنزاف الموارد
كانت الحرب الإسرائيلية على غزة صيف 2014، قد أدت إلى مقتل ما يزيد عن 2200 فلسطيني وتدمير ما يزيد عن 16 ألف منزل، إضافة إلى خسائر اقتصادية فاقت الـ3.5 مليار دولار.
ويقول نائب رئيس سلطة المياه، المهندس مازن السقا، لـ"سبوتنيك"، إن الازدحام والتكتل البشري في قطاع غزة يؤثر بشكل كبير على استنزاف الموارد الطبيعية، مما يؤدي إلى التأثير على جميع قطاعات الحياة من مياه وزراعة واقتصاد بشكل كبير وسلبي".
ويمثل قطاع غزة نسبة 1.4 من مساحة فلسطين بمساحة 365 كيلومتراً، ويقطنه حوالي مليوني نسمة، يمثلون 20% من الفلسطينيين في الداخل والخارج.
مياه البحر
ويشير السقا إلى أن أزمة المياه في غزة تتخذ أشكالاً وأبعاداً متعددة، مبينا أن هناك مصدراً وحيداً للمياه متمثلاً في الخزان الجوفي الذي "يلبي 95% من احتياجات القطاع، وتبلغ طاقته 60 مليون متر مكعب سنوياً، بينما ما نقوم بضخه من الخزان يصل إلى 210 ملايين، مما يؤدي إلى استنزافه وانخفاض مستويات المياه الجوفية وتداخلها بمياه البحر".
الجدير بالذكر أن 96% من المياه التي توجد في الخزان الجوفي الساحلي تعتبر مياه غير صالحة للشرب، بحسب تقارير المؤسسات المحلية والدولية.
وأوضح السقا أن المياه في غزة تعاني نسبة ملوحة كبيرة، لافتاً إلى "زيادة تركيز عنصر "الكلورايد" في المياه، وتلوث الآبار في القطاع بمياه البحر، مما يؤثر على الصحة العامة للمواطن".
تلوث إسرائيلي
وبحسب "الصحة العالمية"، فإن النسبة الطبيعية لتركيز عنصر "الكلورايد" في المياه تبلغ 250 ملغ في اللتر، بينما نسبتها في مياه قطاع غزة تبلغ 2000 ملغ في اللتر.
وأشار السقا إلى أن تلوث المياه الجوفية بمياه الصرف الصحي يعد من أبرز أسباب أزمة المياه، مؤكداً أن "الخزان الجوفي قريب نسبياً من الأرض، وتربة قطاع غزة رملية عالية النفاذية، وأي نشاطات على سطح الأرض تخص تصريف مياه الصرف الصحي تؤدي إلى تسربها إلى المياه الجوفية وتلوثها بشكل كبير".
وأرجع تفاقم كل هذه الأزمات إلى الجانب الإسرائيلي، مبيناً أنه "خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، تم تدمير البنى التحتية الخاصة بالمياه، من مضخات وخطوط الصرف الصحي وآبار مياه الشرب، إضافة إلى استخدام إسرائيل لأسلحة محرمة دولية تحمل مواداً أدت إلى تلويث المخزون الجوفي بشكل كبير".
وعند الحديث عن الحلول، أفاد السقا إلى وجود خطة لدى سلطة المياه لإنشاء محطات تحلية، وإعادة الاستفادة من مياه الصرف الصحي والعمل على تحلية مياه البحر، مشيراً إلى ضرورة "تضافر جميع الجهود على المستويين الحكومي والدولي لدعم هذه المشاريع والضغط على الجانب الإسرائيلي لرفع الحصار وتزويد الجانب الفلسطيني بالمياه".