مبادرات وحملات شبابية كثيرة انطلقت على مستوى قطاع غزة، في سعيٍ حثيث للتذكير بما تكتنزه هذه المدينة من مورث ثقافي وأماكن سياحية، ولتسليط الضوء على عمر هذا التاريخ وضرورة المحافظة عليه والاعتناء به.
وتعد فلسطين من أكثر دول العالم التي مرت بها حضارات، حيث مرت بها نحو 22 حضارة، كان أولها الحضارة الكنعانية.
ويقول نائل خضر، أحد أعضاء نادي الإعلام الاجتماعي في فلسطين، لـ"سبوتنيك"، إن "قضية التراث الفلسطيني تشكل جزءاً هاماً وحساساً في دعم القضية الفلسطينية وتعزيز الهوية وخصوصيتها"، مشيراً إلى إقامة النادي بالتعاون مع عدد من المؤسسات العديد من الفعاليات التي تعمل على إبراز الهوية والتراث الفلسطيني.
وأوضح خضر أن النادي شارك في فعالية "يوم الزي الفلسطيني"، للمطالبة بتوثيق 25 يوليو/تموز يوماً عالمياً للزي الفلسطيني في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطيني "الأونروا"، كواحد من المعالم الثقافية للشعب الفلسطيني.
والفعالية بدأت بمسير يضم العديد من الشبان والفتيات من قطاع غزة الذين يرتدون الزي الفلسطيني، إضافة لمعرض من اللوحات التي تحمل الطابع الفلسطيني القديم، وقد لقيت الفعالية انتشاراً واسعاً على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأشار خضر أن هذه الحملات والنشاطات تهدف للترويج للأماكن الأثرية المغمورة وزيادة التعريف بالأماكن المشهورة، إضافة لإبراز التراث الفلسطيني من خلال تسخير طاقات الشباب في دعم قضاياهم الوطنية"، لافتاً إلى أن الحملات وجدت صدى كبير على المستوى المحلي والدولي.
ومن أبرز الأماكن الأثرية والسياحية في قطاع غزة المسجد العمري ومسجد السيد هاشم وسوق القيسارية وقصر الباشا وسبيل السلطان عبد الحميد وتل العجول وكنيسة الروم الارثوذكس.
وارتبط مفهوم السياحة لدى الناس بزيارة بلدان أخرى والتعرف على تاريخها وحضارتها، لكن شباب غزة، ومن خلال مشروع "إنعاش السياحة الداخلية في قطاع غزة"، غيروا هذا المفهوم وعملوا على إظهار ما في غزة من جمال وأثار ومعالم لتصبح، مزاراً ووجهةً لأهلها.
وفي هذا السياق يقول جمال ياغي، مدير مشروع "إنعاش السياحة الداخلية في قطاع غزة"، إن قطاع غزة ليس قبلةً للسياح من الخارج، نظراً للحصار المضروب عليه وللأزمات التي يعيشها، ومن هنا جاءت فكرة "توجيه سكان القطاع إلى الأماكن الأثرية وتعريفهم بها، نظراً لجهل الكثير منهم بوجودها".
ونوّه ياغي إلى قيامهم بزيارة الأماكن الأثرية في قطاع غزة من رفح جنوباً حتى بيت حانون شمالاً مؤكداً أن "المشروع عمل على تدوين كل هذه الأماكن في دليل مكتوب ومطبوع يحتوي كافة المعالم بنبذة مختصرة عنها وعن تاريخها ومكانها".
وأشار ياغي إلى قيام المشروع بترميم ثلاث أماكن أثرية في القطاع، ضمت مسجد "إبن عثمان" في حي الشجاعية الذي تعرض جداره الخارجي إلى هدم جزئي نتيجة إصابته بقذيفة من الطيران الحربي الإسرائيلي في الحرب الأخيرة، إضافةً لترميم "سباط العلمي"، و"سباط كساب" في منطقة غزة القديمة.
هذا ويرى العديد من الخبراء أن الحصار المفروض على غزة انعكس بالسلب على قطاع السياحة والآثار، حيث حال دون إقبال آلاف المواطنين والخبراء الدوليين على زيارة الأماكن السياحية والأثرية.
وتقدر خسائر السياحة والآثار جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة بـ 11 مليون دولار.
وبحسب وزارة السياحة والأثار الفلسطينية فقد بلغ عدد الزائرين للأماكن الأثرية في قطاع غزة عام 2013 نحو 55 ألفاً.
لم يقتصر دور هذه الحملات والمبادرات على النطاق الشعبي فقط، بل أخذ بعضها طابعاً خاصاً كمبادرة "حلوة يا بلدي" التي عملت على مخاطبة الصحفيين في غزة كونهم الأكثر تأثيراً ووصولاً لجميع طبقات المجتمع على الصعيد المحلي والخارجي.
ويقول حسان أبو صفر، منسق مبادرة "حلوة يا بلدي"، إن مبادرتهم عملت على استهداف الصحفيين في قطاع غزة لأنهم واجهة المجتمع التي يمكن من خلالها التغلغل في جميع تفاصيل وطبقات الناس، مشيراً إلى أن المبادرة ضمت صحفيين في وسائل مقروءة ومسموعة ومرئية وبعدة لغات.
وأوضح أبو صفر أن المبادرة ضمت عدة أنشطة لضمان التأثير الكبير والواسع، مبيناً أنها "احتوت على ورشة تعريفية بشكل المبادرة والمشاركين فيها، كما ضمت جولة سياحية للأماكن الأثرية في قطاع غزة، واختتمت بمعرض لعرض نتائج المبادرة من صور وتقارير أعدها الصحفيون المشاركون".
ونوّه إلى أن هناك تعديات كثيرة تعرضت لها الأماكن الأثرية من قبل القوات الإسرائيلية باستهدافها خلال الحروب الثلاث على القطاع، إضافة إلى الإهمال الرسمي لهذه الأماكن وعدم المحافظة عليها، مؤكداً أن مبادرتهم جاءت لاطلاع الصحفيين على هذه التفاصيل "من أجل نشر الوعي في هذه الجوانب والعمل على إظهار وجه غزة الحضاري والجميل".
ومن أهم المواقع الأثرية التي تعرضت للتدمير جراء حرب صيف 2014 مسجد المحكمة ومسجد الظفر في منطقة الشجاعية شرق غزة، والمسجد العمري في جباليا شمال القطاع، ومقام خليل الرحمن في منطقة عبسان جنوب القطاع، ومقام الخضر في مدينة دير البلح وسط القطاع.