كشفت مصادر رفيعة المستوى في منظمة التحرير الفلسطينية عن أن إلغاء "اتفاق أوسلو"، وكذلك إلغاء الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية الملحقة به، وأهمها ما يتعلق بالتنسيق الأمني و"بروتوكول باريس" للعلاقات التجارية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، سيكون مدرجاً على جدول أعمال دورة المجلس الوطني الفلسطيني، التي تمت الدعوة لانعقادها في مدينة رام الله، بمن حضر من أعضاء المجلس، يومي 14 و15 أيلول/سبتمبر الجاري، في ظل خلاقات داخلية فلسطينية حادة.
نقطة معلومات قبل الحديث عن الموضوع، أن احتمال انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الزمان والمكان المحددين ضعيف جداً، والجميع ينتظر الإعلان عن تأجيل الموعد، ويجري البحث عن مخرج سياسي — قانوني يبرر التراجع عن قرار دعوة المجلس للانعقاد، كاستحقاق تفرضه استقالة غالبية أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وفي مقدمتهم الرئيس محمود عباس. ويصب باتجاه ترجيح فكرة تأجيل دورة المجلس لقاء رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس"، خالد مشعل، مع عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة صائب عريقات، في الدوحة، يوم الخميس الماضي.
إلا أنه، ورغم استبعاد إمكانية عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني في المدى المنظور، يثير الحديث عن وضع إلغاء "اتفاق أوسلو" على جدول أعمال المجلس استغراباً للعديد من الأسباب، فالإلغاء سيحمل في طياته تحولاً استراتيجياً في سياسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، من شأنه أن يعيد تعريف ورسم شكل العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، التي أرسيت منذ إنشاء الأخيرة تطبيقاً لـ"اتفاق أوسلو" أيلول/سبتمبر 1993، و"اتفاق القاهرة" المعروف بـ"غزة- أريحا أولاً"، في أيار/مايو 1994.
ومما يدعو للاستغراب أيضاً أنه إذا صح ما سرِّب عن وجود توجه لطرح الموضوع على المجلس الوطني الفلسطيني، فهذا يستلزم بالضرورة وجود بديل فلسطيني وخطة شاملة لمواجهة تداعيات إلغاء "اتفاق أوسلو"، ولا يمكن الإدعاء بوجود بديل فلسطيني أو خطة شاملة، وهذا لا يرتبط بقرار فلسطيني بحت، بل يقع بلا شك في دائرتي تأثير إقليمية ودولية، بجب أن تأخذ بعين الاعتبار في القرار الفلسطيني، من خلال وضع استراتيجية فلسطينية متكاملة تكفل أوسع تأييد إقليمي ودولي، من شأنه أن يوفر للفلسطينيين مظلة تمنع إسرائيل من البطش بهم.
وقبل الحديث عن مظلة إقليمية ودولية، لا بدَّ من بلورة إجماع وطني فلسطيني شامل، ليس على قرار إلغاء "اتفاق أوسلو" والاتفاقيات الملحقة به فقط، بل على كيفية التعاطي مع النتائج التي ستترتب عليه، فخطوة بهذا الحجم، بصرف النظر عن صحتها أو خطئها في الموازين السياسية القائمة، تتطلب توحيد كل الجهود والإمكانيات الفلسطينية، كركيزة لكسب تأييد ودعم إقليمي ودولي. لكن الجميع يعلم أن الدعوة لانعقاد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني أشعلت خلافات حادة بين القوى والفصائل الفلسطينية، أظهرت خشية من أن تتحول هذه الدورة إلى محطة جديدة من محطات الانقسام والصراع الداخلي الفلسطيني، وليس العكس.
وفي ظل الطريقة التي تم الكشف فيها عن التوجه، لطرح إلغاء الاتفاقيات مع إسرائيل دون وجود تحضير وبحث جدي، يبدو أن الصيغة أقرب إلى التلويح بـ"حل السلطة الفلسطينية" من كونها تلويحا بإلغاء الاتفاقيات، وسبق لرئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أن هدَّد غير مرة بحل السلطة الفلسطينية في مواجهة التصلب الإسرائيلي في المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود.
بدوره، إن التلويح بحل السلطة الفلسطينية يحتاج إلى قرار فلسطيني موحد، يستند إلى وحدة وطنية فلسطينية راسخة، ورؤية شاملة لتحمل تبعاته وإيجاد بدائل تمنع دخول الفلسطينيين في مستنقع من الفوضى… وهكذا إن عقد دورة للمجلس الوطني الفلسطيني يستلزم وحدة وطنية فلسطينية، لا غنى عنها أيضاً لاتخاذ قرار استراتيجي بحجم التلويح بإلغاء "اتفاقيات أوسلو" أو حل السلطة الفلسطينية.
لذلك، إن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني ستكون مضاره أكبر بكثير من فوائد يمكن المراهنة على تحقيقها، في ظل انقسام سياسي وكياني، ولن تعدو كونها مصالح فئوية ضيقة. ومن الخطأ التعامل بجدية مع التهديد بإلغاء "اتفاقيات أوسلو" أو التلويح بحل السلطة الفلسطينية، رغم أن هذه الاتفاقات قد فقدت مبرر وجودها، واستنفدت مداها الزمني بانتهاء المرحلة الانتقالية عام 1999، وما يبقي عليها في غرفة الإنعاش عدم وجود بديل لها.
لكن وفي كل الأحوال ستكون مفاجأة من العيار الثقيل إذا ما انعقدت بالفعل دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الموعد المحدد، ما قد يجعل من الحديث عن التلويح بإلغاء "اتفاقيات أوسلو" مجرد التلويح بفكرة غير قابلة للتحقيق على ضوء الوضع الذاتي الفلسطيني، فضلاً عن الوضعين الإقليمي والدولي.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)