أصبحت منطقة الشرق الأوسط أمام تحديات كبيرة تتطلب تضافر جهود الدول العربية المؤثرة مع القوى الكبرى الصديقة لشعوب المنطقة، لتشكيل تحالف حقيقي لمكافحة الإرهاب والقضاء على بؤر التطرف في المنطقة، تمهيداً لتسوية سياسية للنزاعات، من خلال الحوار السياسي بين الأطراف المعنية بالحفاظ على الدولة الوطنية، ووقف نزيف الدم وتدمير الحضارات، وحماية مستقبل الأجيال القادمة، ومواجهة التحديات التي تهدد السلم والأمن الدوليين.
إن ما يجري في سوريا لا يمكن النظر إليه بعيداً عما تحدث عنه بعض الاستراتيجيين الأمريكيين حول ضرورة تدمير الدولة القومية وتحويلها إلى دويلات صغيرة وضعيفة تتصارع مع بعضها البعض طائفياً، إذ عبر وزير الخارجية الأمريكي السابق، هنري كسينجر، عن رؤيته تجاه سوريا، خلال محاضرة له في جامعة فورد عام 2013، موضحاً أنه يرغب أن يرى سوريا مقسمة إلى مناطق من الحكم الذاتي، قائلا "هناك ثلاث نتائج محتملة في سوريا، انتصار الأسد، أو انتصار السنّة، أو توافق مختلف الهويات القومية على التعايش معاً، ولكن في مناطق حكم ذاتي بشكل أو بآخر، بحيث لا يمكن أن تضطهد بعضها بعضا. وهذه هي النتيجة التي أود أن أراها".
وفي منتصف العام الجاري، تحدثت وسائل الإعلام الأمريكية عما وصفته بـ"تقرير للرقابة القضائية" حول سلسلة من الوثائق السرية من وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية، تتعلق بدعوى قضائية خاصة بقانون حرية المعلومات، وتتضمن تقريرا لاستخبارات الدفاع لعام 2012، يكشف عن أن القوى الداعمة للمعارضة السورية — الدول الغربية ودول الخليج وتركيا- تسعى إلى إنشاء "إمارة سلفية في شرق سوريا".
لا شك أن الوضع في سوريا وصل إلى مرحلة تتطلب ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة الإرهاب والتطرف، واستمرار الجهود المبذولة من جانب مصر وروسيا لتوحيد المعارضة والدخول في حوار جاد مع الحكومة، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية، بينما توحيد صف المعارضة السورية على أجندة وطنية، يصطدم بحسابات قوى إقليمية تعمل على تغذية الصراع، خاصة تلك التي أعلنت عن تدريب وتسليح المعارضة، كما سمحت بتسهيل وصول العناصر المتطرفة إلى سوريا والعراق، في ظل عدم جدية عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية، في وقف توسع التنظيم الإرهابي.
يشير المشهد، الذي تجاهر فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة بدعم جماعات "اللا دولة" بمختلف أنواع السلاح وتمويل معسكرات التدريب، إلى استمرار الاقتتال بين السوريين، ولا يعطي مجالاً للحل السياسي والحوار بين كافة الأطراف التي تتفق مع مصالح الدولة السورية، في الوقت الذي تقود فيه وسائل الإعلام الغربية حملة شرسة للتقليل من الجهود المبذولة لمواجهة الجماعات الإرهابية في سوريا، كما يعكس المشهد حجم الكارثة التي تتورط فيها قوى إقليمية تسعى إلى تكرار سيناريو العراق.
إن آليات مخطط تدمير وتقسيم المنطقة تتركز في انتشار الجماعات الإرهابية والعناصر المتطرفة، وتوفير الدعم اللازم من المال والسلاح إلى جانب عناصر يتم استقطابها من مناطق مختلفة من العالم إلى المنطقة العربية، واستعادة المنطقة لاستقرارها والحفاظ على وحدة الأراضي السورية يتطلب مواجهة حاسمة للجماعات المتطرفة في هذا البلد العربي، ويسمح للسوريين بتقرير مصيرهم بأنفسهم.