استخدم اليمين الإسرائيلي المتطرف، على الدوام، خطاب كراهية ضد الفلسطينيين، لتغليف سياسات القتل والاضطهاد والقمع بحقهم، والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها من خلال الاستيطان، والتنكر لحقوقهم الوطنية المشروعة، لكن لم يكن أحد يتصور أن يصل الكره للفلسطينيين إلى أن يقوم رئيس وزراء إسرائيلي بتبرئة هتلر من "الهولوكوست" وإلصاقها بالزعيم الفلسطيني في أربعينيات القرن الماضي، مفتي القدس الراحل أمين الحسيني.
نتنياهو زعم في خطاب ألقاه أمام "المجلس الصهيوني"، أول أمس الثلاثاء، أن "هتلر لم يرد إبادة اليهود آنذاك، بل أراد نفيهم فقط"، وأردف نتنياهو بأن المفتي، الحاج أمين الحسيني، هو من أشار على هتلر بحرقهم كي لا "يتجمعوا في فلسطين"، وحسب ما ادعى نتنياهو سأل هتلر المفتي الحسيني"إذاً ماذا أفعل بهم؟" فأجابه المفتي "احرقوهم".
Netanyahu says the Holocaust wasn't Hitler's idea. Instead, he's pointing the finger at a Palestinian leader.
Posted by AJ+ on Wednesday, October 21, 2015
وفي سياق متصل، إن محاولة نتنياهو التراجع عن تصريحاته لاحقاً، على خلفية الانتقادات الحادة التي وجهت له في الداخل الإسرائيلي من قبل السياسيين والمؤرخين، وكذلك على الصعيدين الفلسطيني والدولي، لا يمكن أن تخفف من وقع هذا التزييف للتاريخ، لتبرير المزيد من أعمال القتل والاضطهاد ضد الفلسطينيين والاستيلاء على المزيد من أراضيهم، وهذا يستحق من وجهة نظر نتنياهو، واليمين الإسرائيلي المتطرف، تبييض صفحة هتلر، لكن إذا ما وضعنا الضحايا اليهود جانباً، من هو المسؤول عن قتل عشرات الملايين من المواطنين السوفييت والمجريين والهولنديين والبولونيين والفرنسيين…الخ؟! المؤكد أن نتنياهو يمكنه أن يزور التاريخ أيضاً في هذا الخصوص كرهاً بالفلسطينيين.
ومن المؤكد كذلك بالعودة إلى التاريخ، إن ما تفوه به نتنياهو في خطابه أمام "المجلس الصهيوني" شاذاً عن الخطاب الأيديولوجي والسياسي الصهيوني، إنما يعبِّر عن المواقف التاريخية لليمين الصهيوني المتطرف ومن ثم الإسرائيلي، حيث لم يتردد قادة ومنظرو الحركة الصهيونية، خلال عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، في الإشادة بنتائج أعمال الحركات العنصرية الأوروبية التي ناهضت اليهود بأساليب دموية، بل وأعلن العديد من القادة والمنظرين اليهود عن إعجابهم الشديد بالأنظمة التسلطية الأوروبية التي ظهرت في ثلاثينيات القرن الماضي.
على سبيل المثال لا الحصر، يقول كادمي كوهين: "إن من نتائج اللاسامية الهتلرية وضع عقبات في قابلية التكييف والاندماج، وبالتالي تقوية للحركة الصهيونية"، في حين اعتبر جابوتنسكي أن "اللاسامية ردٌّ مقيت ولكنه طبيعي على الشذوذ اليهودي، الذي لا يمكن معالجته إلا بقيام كيان يهودي"، وهذا ما ذهب إليه أيضاً منظر الحركة الصهيونية في إيطاليا الفونسو باسيفيسي في ثلاثينيات القرن الماضي، حين صرح أكثر من مرة بأن "الظروف التي وفرتها الفاشية في إيطاليا تعتبر فرصة سانحة لنهضة الجماعة اليهودية الإيطالية".
ووصل الأمر بالمنظّر الصهيوني آبا هاهيمير إلى حد دعوة جابوتنسكي لكي ينصّب نفسه (دوتشي) لفلسطين —أي زعيماً فاشياً اقتداء بموسيليني-، وذلك إيماناً منه، أي آبا هاهيمير، بأن "الفاشية الحقيقية الصادقة تلتقي في جوهرها مع المبادئ الصهيونية"، على حد قوله.
وفي تشويهه للحقائق التاريخية حول الهولوكوست، بشهادة أهم المؤرخين الإسرائيليين، يعود نتنياهو للعب في ذات الملعب الذي لعب على أرضه المتطرفون اليمينيون اليهود في النصف الأول في القرن الماضي، وأصبح لاحقاً يُتبنى في شكل غير معلن من اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي يمثل نتنياهو واحداً من أهم قادته ورموزه، خلال العقدين الماضيين.
لكن ماذا كان سيحدث لو أن شخصاً آخر غير نتنياهو، وليس إسرائيلياً، حاول أن يبيض صفحة هتلر من الجرائم التي ارتكبها ضد الإنسانية؟! مما لاشك فيه كان سيتعرض لحملات شرسة تنهي حياته كسياسي أو كمؤرخ أو كمفكر أو حتى ككاتب… وبالطبع إن طرح هذا السؤال لا يعني أن من حق أحد تبرئة هتلر لأنه إنكار غير أخلاقي لدماء عشرات ملايين الضحايا، ولعذابات مئات الملايين من البشر.
ومن هذه الزاوية إن محاسبة نتنياهو على تشويهه للتاريخ يجب أن تكون بتعرية اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يقوم بتسويق مثل هكذا مزاعم، الهدف من ورائها ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)