انطلقت في الأرجنتين الانتخابات الرئاسية لانتخاب خلف للرئيسة المنتهية ولايتها، كريستينا فرنانديز كيرشنر، التي حكمت البلاد لولايتين رئاسيتين كاملتين على مدار ثمانية أعوام، ويتنافس في الانتخابات حاكم محافظة بوينس أيريس، دانيال سيولي، المرشح الذي تدعمه الرئيسة كريستينا كيرشنر، في مواجهة مرشح المعارضة اليمينية ماوريسيو ماكري، رئيس بلدية العاصمة بوينس أيريس، ومرشح يمين الوسط، سيرجيو ماسا. إلا أن الحاضر الأكبر في الانتخابات، على ضوء البرامج الانتخابية، هي الرئيسة المنتهية ولايتها، التي شكَّلت سياساتها امتداداً لسياسات زوجها الرئيس الأسبق، نيستور كيرشنر، الذي خلفته في الرئاسة عام 2007، وتوفي عام 2010.
فخلال سنوات حكمها اتبعت الرئيسة كريستينا كيرشنر سياسات اقتصادية لصالح الفقراء والفئات الاجتماعية الأضعف، مستفيدة من تجربة زوجها الراحل، الذي استطاع خلال الولاية الرئاسية التي قضاها في الرئاسة، ما بين 2003- 2007، أن يخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي حلت بها عام 2001، وكادت أن تؤدي إلى انهيار كامل لاقتصاد البلاد. وحققت الأرجنتين في عهد كيرشنر الزوج ومن بعده زوجته تقدماً كبيراً في مكافحة الفقر والبطالة، وتوسيع وتمكين شبكة التضامن الاجتماعي، إلا أن ذلك لم يكن لينجح في الظروف التي كانت تمر بها الأرجنتين إلا باعتماد طريقة حمائية في إدارة الاقتصاد الأرجنتيني، تأثيراتها الجانبية تتخذ منها المعارضة اليوم سلاحاً للوصول إلى سدة الرئاسة.
استطلاعات الرأي لم تكن حاسمة في صالح أي من المرشحين، فوفقاً لآخر الاستطلاعات ستكون هناك جولة ثانية للانتخابات، إذ من غير المتوقع أن يحصل أحد منهم في الجولة الأولى على نسبة 45% من نسبة المقترعين أو 40% من الأصوات على أن يكون الفارق بينه وبين المرشح الثاني أكثر من عشر نقاط، حيث حصل كل من دانيال سيولي وماوريسيو ماكري وسيرجيو ماسا على التوالي على 39% و30% و20% في استطلاعات الرأي.
لكن التجارب مع استطلاعات الرأي تكشف أنها تكون موجهة في غالب الأحيان للوصول إلى نتائج تخدم طرفاً سياسياً بعينه، ولذلك ليس من المستبعد أن تأتي الجولة الأولى بمفاجأة، الأقرب إلى تحقيقها المرشح دانيال سيولي المدعوم من الرئيسة كريستينا كيرشنر، ليس فقط لأنه مقرب من الرئيسة المنتهية ولايتها، بل لأنه يمتلك رؤية خاصة، يقول الخبراء الاقتصاديون الأرجنتينيون إنها أقل تشدداً من الخط الذي سارت عليها الرئيسة كيرشنر.
ومما لا شك فيه، سيواجه من سيخلف الرئيسة كريستينا كيرشنر تحديات كبيرة، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، إذ يلخص أحد المحللين الاقتصاديين الوضع الاقتصادي للأرجنتين بالقول: "العجز في الميزانية يتخطى 5% والاقتصاد يقترب من الركود وميزان الطاقة يواجه عجزاً متزايداً، وسعر منتج الصويا ينخفض، وتتراجع صادرات الأرجنتين منذ 2013، عندما بدأت تصدر مؤشرات عن اقتصاد البرازيل، الشريك التجاري الأول للأرجنتين، وزاد خفض قيمة اليوان أيضاً من قتامة المشهد، لأن الصين من كبار مشتري المواد الأولية أو المنتجات الزراعية الأرجنتينية"، فضلاً عن المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد الأرجنتيني على مستوى ضعف الاستثمار.
غير أن ملايين الأرجنتينيين الذين استفادوا من شبكة الضمان الاجتماعي، ومن برامج الإنفاق الحكومي لمكافحة الفقر والبطالة، وتوفير الخدمات العامة وتحسين نوعيتها، سيكونون إلى جانب الاستمرارية للنهج الاقتصادي الذي شق طريقه الرئيس نيستور كيرشنر وواصلته زوجته الرئيسة كريستينا كيرشنر، لكن الاستمرارية بنجاح تتطلب الحد من تأثير النتائج السلبية الجانبية لهذا النهج، وهو قانون ينطبق على كل الخطط الاقتصادية.
ولا يعود الحضور الكبير لكريستينا كيرشنر في الانتخابات إلى برنامجها الاقتصادي فقط، بل إلى السياسات الخارجية التي اتبعتها، في معارضة سياسات الهيمنة الأميركية، والعمل على سياسات مستقلة لبلدان أميركا اللاتينية، وتأييد القضايا العادلة للشعوب، وهي سياسات وضعت الأرجنتين في خانة اليسار الأميركي اللاتيني، ومواصلتها ستثير غضب صانعي القرار في الولايات المتحدة وحلفائهم في الغرب، الذين يتمنون سقوط المرشح دانيال سيولي المدعوم من كيرشنر، لطي صفحة كانت تمثل علامة فارقة في التاريخ الحديث للأرجنتين.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)