صفعة كبيرة وغير متوقعة تلقاها الرئيس الأميركي السابق بوش الابن من والده الرئيس الأسبق جورج بوش الأب، وتحمل إدانة صريحة للسياسات التي سارت عليها عصابة "المحافظين الجدد" خلال الولايتين الرئاسيتين لبوش الابن، والتي قادت إلى غزو العراق واحتلاله، وقبل ذلك غزو أفغانستان واحتلالها، وارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في البلدين، مازالت واشنطن ترفض الاعتراف بها، وترفض إجراء مراجعة شاملة للذرائع التي سيقت للغزو والاحتلال، وممارسات القوات الأميركية وحليفتها البريطانية إبان احتلال العراق، والنتائج التي خلفتها، والأمر ذاته ينطبق على أفغانستان لجهة إجراء مراجعة.
وتتصرف واشنطن إزاء الفظائع التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأميركي في العراق بتجاهلها، وإن اعترف الرئيس باراك أوباما وأركان إدارته بأن غزو العراق واحتلاله كان خطيئة استراتيجية كبرى. وبالطبع الرئيس السابق، بوش الابن، ورموز إدارته لم يغيروا من مواقفهم المتغطرسة والمضللة، حيث مازالوا يرددون الاسطوانة المشروخة ذاتها، بأن نظام الحكم السابق في العراق كان يشكِّل تهديداً لأمن الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ويسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، رغم أن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي أدانت في تقرير صادر عنها، في حزيران (يونيو) 2008، الرئيس بوش الابن واتهمته بخداع الرأي العام الأميركي وإساءة استخدام المعلومات الاستخبارية وتحريفها لتلفيق مبررات لشرعنة شن حرب على العراق.
إلا أن الرئيس بوش الأب لم يستطع أن يتهرب من حقيقة ارتكاب ابنه لحماقات سياسية كبرى، ففي تصريح لكاتب السير الذاتية جون ميتشام، قال بوش الأب بأن بوش الابن يتحمل مسؤولية أخطاء الذين اختارهم ليساعدوه. وشن هجوماً على نائب الرئيس السابق، ديك تشيني، ووزير الدفاع الأسبق دونالد رامسفيلد، اتهم فيه الأول بتجاوز صلاحياته وتشكيل وزارة خارجية موازية في البيت الأبيض، ووصف الثاني بأنه كان متغطرساً وتجاهل آراء الآخرين، وخدم الرئيس بشكل سيء.
ومن الواضح أن الرئيس بوش الأب حاول أن يجد أعذاراً مخففة للتقليل من مسؤولية ابنه عن جريمة غزو العراق وأفغانستان، وما تبعها من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكنه قدّم في حقيقة الأمر ما يدين ابنه بأنه لم يكن أهلاً كي يكون رئيساً للولايات المتحدة، فقول بوش الأب بأنه كان ضُلل، من قبل نائبه ووزير، ينطبق عليه المثل القائل: "عذر أقبح من ذنب".
من يعرف قصة هذا المثل الشعبي، في واقعة يقال إنها جرت بين الخليفة العباسي هارون الرشيد والشاعر أبو النواس، يدرك أنه من الأفضل لبوش الابن أن لا يغضب من والده الذي "صفعه على قفاه"، وأن لا يسأله عن سبب ما قاله. غير أن بوش الابن شاء أن يثبت بأنه يحافظ على حماقته، ففي رده على ما قاله والده زعم جورج بوش الابن بأنه هو من وضع السياسات، "استناداً إلى فلسفته الخاصة"، أن تشيني ورامسفيلد نفذا أوامره بغزو العراق وأفغانستان واحتلالهما، ولم يفت بوش الابن أن يعتب على والده لأنه لم يتوقع منه أن ينتقده؟!.
تبرير وعتب لو سئل عنهما جورج بوش الأب لن يجد بداً من أن يعترف بأن ابنه غبي، حقيقة يعرفها العالم وأقر بها الأميركيون، وبوش الأب أذكي بكثير من أن يخفى عنه ذلك، فالرئيس بوش الابن يصنف بأنه الأقل شعبية بين الرؤساء الأميركيين على امتداد التاريخ الأميركي، وفي الشهور القليلة الماضية بدأ بعض المحللين الأميركيين يضعون الرئيس أوباما في منافسة مع بوش الابن على مركز الأقل شعبية، إلا أنه والحق يقال سيبقى الرئيس بوش الابن متفرداً في أنه لم يمر في تاريخ الولايات المتحدة رئيس ينافسه بالغباء والجهل.
وربما سنسمع أكثر على لسان بوش الأب عندما سيصدر كتاب مذكراته، ولن تنفعه محاولة إلقاء اللوم على الآخرين لتبرئة ابنه، وإذا ما أراد بوش الأب أن يشهد له القراء بالموضوعية والنزاهة عليه أن يسمي الأشياء بأسمائها حول سياسات عصابة المحافظين الجدد إبان عهد ابنه، وإزاء غزو العراق وأفغانستان واحتلالهما، لكن في كل الأحوال من الأفضل للرئيس بوش الأب النأي بنفسه عن سياسات ابنه، والاعتراف بأن الأخير قد أخطأ.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)