"سبوتنيك" تابعت الوضع في عمق المخيم، ومع بداية المأساة الإنسانية الكبيرة التي حصلت في مخيم اليرموك مع دخول التنظيمات المسلحة إليها في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2012، لم يبق أمام غالبية السكان سوى ترك المخيم والنزوح.
ولكن ثمة من تمسك بالبقاء، وهؤلاء شجعوا غيرهم على العودة المبكرة، قبل إغلاق المخيم بشكل نهائي أمام حركة الدخول والخروج للسكان المدنيين، بعد حوالي ستة أشهر من دخول المسلحين واحتلالهم المخيم.
دور الناشطين في مخيم اليرموك
أحد الناشطين الفلسطينيين في المخيم كان له تواصل مع "سبوتنيك"، ومن خلال الحديث معه ومع آخرين، ونحن هنا لا نستطيع الكشف عن هويتهم حرصاً عليهم من استهداف "داعش" لهم.
وقام الناشطون في مخيم اليرموك، وهم من سكانه الأصليين ومدنيون، بدور بارز، وحملوا على عاتقهم مهمة التخفيف عن السكان، في ظل المعاملة الجائرة داخل اليرموك من قبل المسلحين، ونتيجة المحاكمات والاعتقالات التعسفية واستغلال لقمة عيشهم، والتي هي عبارة عن المعونات التي بدأت تدخل، بعد حصار دام أكثر من ستة أشهر أخرى.
ومن جهة أخرى، هناك المعاناة الناتجة عن الاشتباك بين المسلحين التابعين لـ"جبهة النصرة" وغيرها من المجموعات المتشددة، من طرف، والجيش السوري، من طرف آخر.
مهام طبية وإعانة ودعم نفسي وعمل حثيث للتسويات السلمية… مهام برزت معها وجوه في المخيم متمسكةً بالبقاء ورافضة للخروج تحت أي ضغط من المسلحين، وكانت أصلا تحاول أن تقدم ما تيسر لها للتخفيف عن المدنيين لتحثهم على البقاء.
هؤلاء الناشطون يدركون أن فكرة تسليم مخيمهم للتكفيريين ستحوّله إلى ساحة معركة يحترق خلالها الحلم بالعودة إلى فلسطين، وأيضا كان هؤلاء الناشطون يعملون على تحييد المخيم عن الصراع والحرب في سوريا، ومع محاولاتهم المتكررة تشكلت عدة هيئات إغاثية تفاوضت ونسّقت مع الحكومة السورية لإدخال المعونات الغذائية والطبية وأيضا إخراج المسلحين، من خلال إيجاد حل سلمي.
وقال أحد الناشطين ممن كان له يد في التنسيق حول مبادرات سلمية لتحييد المخيم، "هناك عدد من الفصائل المسلحة في المخيم ومنها الأكناف والعهدة والعمرية والجيش الحر، كان يوافق على الخروج من المخيم بدون قتال، ولكن أبرز المعارضين لهذه المبادرات كاننت جبهة النصرة، وهنا مفتاح القضية".
أرواح تزهق وناشطون يقصدون الخروج بأرواحهم
مع السيطرة الأكبر لـ"جبهة النصرة" على مناطق عدة من المخيم، وخاصة من محاوره الجنوبية والجنوبية الشرقية والغربية، بدأ صراع خفي في فترة معينة بين "جبهة النصرة" وأطراف مدنية، كانت تؤثر على التنظيم الإرهابي بشكل يعيق تمدده في المخيم… إذ لم يستخدموا سلاحاً، وهنا كان رد "النصرة"… فبين الحين والآخر كان ينعي أهل المخيم أحد الناشطين، وتسجل القضية على يد مجهولين.
هنا تفاقم الصراع، ومع غياب المحققين في الموضوع تمادت "النصرة" أكثر، وكان آخر الضحايا على أيديهم هو الناشط "أبو أحمد هواري"، الذي أعاد بوفاته على يد مجهولين، فتح الملف مجدداً.
والأسباب كانت، حسب الناشطين الذين لا بد من إخفاء أسمائهم كي لا يلحقوا به غدراً، أن "أبو أحمد"، واحد من بين من قُتلوا بهذه الطريقة، وجميعهم كان يعمل لتحييد المخيم.
وكان السبب الرئيسي هو دخول هؤلاء الضحايا في طريق التفاوض والتنسيق مع الحكومة السورية، والهدف إنهاء الوجود المسلح في المخيم، وهذا ما لا يناسب "جبهة النصرة".
ومن ناحية أخرى… لا تريد "النصرة" ولا "داعش" إلا السكان الذين يشكلون بيئة حاضنة لهم، إذ أن الفلسطينيين الموجودين في المخيم، بغالبيتهم الساحقة، باتوا رافضين الخضوع لسلطة هؤلاء الإرهابيين، ويريدون الحياد والعيش بسلام، كما أكد كل من التقيناهم منهم.
وهنا لم يعد أمام التنظيمات الإرهابية الطامحة في السيطرة على المخيم، سوى ضرب الأشخاص العاملين على فكرة الحياد والرافضين لسيطرة الإرهابيين عليهم.
ووصل العدد إلى أكثر من خمسة عشر شخصاً من أبرز الفاعلين الذين تمت تصفيتهم… بدأ الملف بـ"أبو العبد عريشة"، وهو الأكثر شعبية لدى أبناء المخيم، والأكثر تأثيراً على السكان هناك… وربما لن ينتهي الملف عند "أبو أحمد الهواري".
والأسماء التي ذكرها ناشطون مهددون من قبل "النصرة" و"داعش"، هم أصلاً من "جبهة النصرة"… منهم من انشق عن الجبهة لتحويل المخيم إلى بقعة فلسطينية مسلحة لا تخضع لأحد، حتى الدولة السورية، وهو شخص يدعى "الصعيدي"، ألقى تنظيم "داعش" القبض عليه، لأنه لا يلبي طموحه، بينما بقي شريكه في الاغتيالات المدعو "أبو الخضر"، وهو قائد "جماعة الأنصار"، طليقاً حتى اللحظة، ولا يستبعد أحد أن يطال شخصاً جديداً في عملية اغتيال، إلا إذا تم القضاء عليه.
وتنوه مصادر "سبوتنيك" بأن "داعش" لا يحتاج لعمليات اغتيال وتصفية، كما فعلت "النصرة"، على مدى فترة السيطرة في المخيم، وذلك لأن "داعش" تنظيم دموي يصفي الأشخاص بشكل علني، تحت ذريعة "إقامة الحد أمام الجميع".
وبالتالي فأي شخص من الناشطين هو عرضة الآن للقتل على يد "داعش"، وعلى مرأى من الجميع.
إلى ذلك يبقى ملف الحل السلمي الآن بيد من تبقى من الناشطين، إضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي وضعت يدها على الملف، أخيراً، وتنوي إنهاء الوجود المسلح في المخيم، ليكون الوجود فيه فلسطينياً فقط، ويعود إلى سابق عهده بمن تبقى فيه من سكان مدنيين، ومن سيعود إليه، بحسب مصادر من داخل المنظمة.