أدلى المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، بتصريحات عبَّر فيها عن حرصه على ما أسماه بـ"عدم تكرار الأخطاء التي حدثت أثناء جلسة الحوار الأولى بين الأطراف اليمنية في جنيف"، وفي الوقت عينه أبدى حرصه على "التأكد من أن كل التوقعات واضحة لدى الأطراف جميعها، مؤكداً أن هناك نقاط التقاء كثيرة بينها".
ومما لا شك فيه، أن اعتراف ولد الشيخ بوجود أخطاء في جولة الحوار الأولى في جنيف مسألة إيجابية، تبيِّن أن ما وقع كان محل تقييم من قبل المنظمة الدولية، لتلافي الأخطاء في الجولة الثانية، وفي مقدمة تلك الأخطاء عدم وضوح المواقف قبل الجلوس على طاولة الحوار، حيث انعكس ذلك في أن كل طرف عوّل على سقف مرتفع، الأمر الذي أدى إلى فشل الجولة الأولى.
وفقاً لما كشف عنه ولد الشيخ، فهناك تقدم إيجابي في التحضير للجولة الثانية، سيتعزز خلال الأيام القريبة القادمة، من خلال التشاور بين جميع الأطراف المعنية بالحوار، ومن ثم سيتم الإعلان عن موعد الجولة بعد استكمال التحضيرات، والتأكد تماماً من أن المشاركين في الحوار يتفهمون الموقف والهدف المطلوب، وفي هذه النقطة لا يمكن التغافل عن تعليقات أوساط مقربة من الرئيس عبد ربه منصور هادي، وكذلك أوساط مقربة من جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) وحلفائهم أنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح، صبت كلها باتجاه تأكيد أن لدى الجانبين العديد من الملاحظات بخصوص أوراق العمل والمقترحات التي تقدم بها المبعوث الدولي الخاص إلى اليمن.
غير أنه، وبصرف النظر عن المقصود بالإيجابيات في التحضيرات للجولة الثانية من الحوار، لابد من توافر عدد من الأسس الضامنة لإنجاح الحوار، ووصول المتحاورين إلى بر الأمان، وفتح صفحة جديدة تكون فيها الأولوية لأمن واستقرار البلاد وتطورها الديمقراطي وإعادة بنائها، ووضعها على سكة التنمية الاقتصادية والمجتمعية.
أول تلك الأسس وجود قناعة لدى طرفي الأزمة بأنه لا يمكن في نهاية المطاف تسوية الأزمة من خلال حل عسكري، وأن الحل الوحيد الممكن من خلال تسوية سياسية بين اليمنيين أنفسهم، وتلبي مصالحهم جميعاً، على أرضية الحفاظ على يمن واحد وسيد وديمقراطي تعددي، ورفض كل أشكال التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي اليمني.
الأساس الثاني؛ استعداد كلا الطرفين لتقديم تنازلات متبادلة، بما ينسجم مع منطق البحث عن تسوية سياسية، لا يمكن أن تتحقق دون أخذ مصالح كل مكونات المجتمع اليمني وتعبيراتها السياسية بعين الاعتبار، أو بمعنى آخر حل وسط، وهذا ممكن من خلال العودة إلى مخرجات الحوار الوطني، ومجموعة الوثائق التي توافق الجميع على أنها تنظم المرحلة الانتقالية.
الأساس الثالث؛ أن تلعب القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في الأزمة اليمنية دوراً إيجابياً، بدعم مهمة المبعوث الدولي إلى اليمن، وحث طرفي الأزمة الداخلية على وقف الحرب، وقبل ذلك من الضروري أن يعاد بناء العلاقات بين القوى الإقليمية، لاسيما بين دول الخليج العربية وإيران، على قاعدة الاحترام المتبادل وعلاقات حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتعاون وتلبية المصالح المشتركة وتنميتها.
بالإضافة إلى الأساس الرابع المتمثل بتقديم كل الدعم اللازم للدور الذي تقوم بها الأمم المتحدة لحل الأزمة بوسائل دبلوماسية، ويقع هذا على عاتق مجلس الأمن الدولي، الذي يتوجب عليه اتخاذ مواقف جماعية حازمة، تدين استمرار الحرب، وتحاسب من يعطلون التسوية السياسية، وتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اليمنية.
أربعة أسس في حال تحققت تضع قاعدة صلبة لنجاح الجولة القادمة من الحوار، بل أكثر من ذلك هي كفيلة بأن تشق الطريق سريعاً أمام تسوية سياسية في غضون فترة قصيرة نسبياً، وأفضل اختبار للنوايا هو موافقة جميع الأطراف على هدنة لتوفير أجواء مناسبة للحوار، والتخفيف من الأزمات الإنسانية والمعيشية الطاحنة التي تعصف بأبناء اليمن في كل المحافظات دون استثناء.
مع التأكيد مرة ثانية على أن تأخر الإعلان عن استئناف الحوار بين طرفي الأزمة اليمنية أفضل من عقد جولة أخرى يكون مصيرها الفشل، لكن لا يجب التعامل مع جهود الوساطة الدولية بسقف مفتوح، لأن ثمن التأخير المزيد من الدماء والدمار وتعقيد الأزمة.