والقرار المفاجئ بإعلان تشكيل تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب تقوده المملكة العربية السعودية يحمل في طياته العديد من التساؤلات المشروعة للمجتمع الدولي، ولمنطقة الشرق الأوسط المعنية بالأساس بهذا القرار غير المفهوم، في ضوء استمرار عمليات التحالف الدولي الذي يضم 60 دولة من بينهم دول في المشروع الجديد.
1
التحالف الذي وصف بالإسلامي لا يشمل دول مثل العراق، سوريا، الجزائر، سلطنة عمان، إيران، ودول أخرى معنية في المقام الأول بمكافحة هذه الظاهرة البغيضة وتعاني شعوبها من خطر الإرهاب والتطرف. فإذا كان المجتمع الدولي يقر ويعترف بأن الإرهاب لا دين له ولا وطن، فلماذا يحمل هذا التحالف طابعاً دينياً؟ وهل يمكن اعتبار القرار تكريساً للطائفية التي يروج لها الغرب في المنطقة؟!
2
ما الجديد الذي يمكن أن يقدمه التحالف الديني في جهود مكافحة الخطر الذي يهدد الجميع على اختلاف معتقداتهم، بعد ذلك الفشل المتعمد في مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تنشر الفوضى وتروع الآمنين في العراق وسوريا وليبيا ومالي ونيجريا وأوروبا، وساهمت في تفاقم الظاهرة منذ مطلع الألفية الجديدة، وكانت سبباً في انتشار جماعات التطرّف الديني والفوضى وانهيار نظام الدولة، وبعد ذلك الدمار الذي تعيشه اليمن منذ مارس/آذار 2015؟!
3
التحالف السعودي يضم بحسب الإعلان الرسمي، 17 دولة عربية، فما هو مصير قرار إنشاء القوة العربية المشتركة الصادر عن القمة العربية التي عقدت في منتجع شرم الشيخ، واجتماعات رؤساء أركان الجيوش العربية؟ وهل يمكن اعتبار "المشروع السعودي الغامض" تفسيراً لطلب المملكة تأجيل المباحثات حول القوة العربية المشتركة إلى أجل غير مسمى، خصوصاً وأن الطلب جاء قبل انعقاد الاجتماع النهائي لرؤساء الأركان للتوافق حول آلية واستراتيجية العمل المشترك؟ وما هو موقف الدول الأعضاء في حال اتخاذ التحالف قرار بالتدخل عسكرياً في سوريا والعراق بحجة محاربة الإرهاب في ظل تباين المواقف والتوجهات في العديد من القضايا، خاصة الأزمة السورية؟
4
ما هو التصور الحقيقي لآليات عمل تحالف يكافح الإرهاب، بينما يضم دولا مثل تركيا المتورطة في دعم التنظيمات الإرهابية في سوريا وليبيا بالمال والسلاح، وتقوم بتسهيل المرور للعناصر الإرهابية بعد تدريبهم، وقطر التي تحتضن كوادر وقيادات جماعة "الإخوان المسلمين" المتورطة في العمليات الإرهابية التي تشهدها مصر عقب إطاحة ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 بحكم الجماعة التي وضعت على قوائم التنظيمات الإرهابية في عدد من الدول، من بينها دول أعضاء في هذا "التحالف الإسلامي العسكري"؟!
5
وماذا عن توقيت إعلان التحالف، وتصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما عقب الاجتماع مع قادة وزارة الدفاع "البنتاغون" والذي جاء فيها "في الوقت الذي تبذل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الآخرون مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وإيطاليا جهوداً لتكثيف الضغوط ضد تنظيم "داعش"، يجب أن تقوم الدول الأخرى الأعضاء بالتحالف الدولي بمساهمات أكبر"، وكما تم الإعلان بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر إلى المنطقة لبحث زيادة المساهمات العسكرية لتلك الدول في محاربة "داعش"؟!
6
تصريحات أوباما وزيارة كارتر جاءت بعد أيام قليلة من دعوة السيناتور "جون ماكين" والسيناتور "ليندسي غراهام" إلى تشكيل تحالف من دول المنطقة، لمواجهة "داعش" برياً، فهل وجدت واشنطن في السعودية بما تملكه من علاقات مع الدول الإسلامية، القدرة على قيادة هذا التحالف والتغلب على خلافات الدول المشاركة والتي لها تجارب فاشلة في العمل المشترك لتسوية قضايا العالمين العربي والإسلامي نتيجة تباين الرؤى والاستراتيجيات والمصالح؟.
7
هل يمكن القبول بالتدخل في شئون الدول ومحاولات تغيير الأنظمة، مع العلم بأن صناعة الإرهاب واستغلاله في تقرير مصير الشعوب الآمنة، وإنشاء تحالفات خارج نطاق الشرعية الدولية، يعد انتهاكات صارخاً للقوانين والأعراف الدولية؟ وهل من الطبيعي استبدال مؤسسات الدولة بعناصر "اللا دولة"، والجماعات الإرهابية التي خلقت وضعاً غير مستقر في المنطقة، وتصاعد التوتر واتسعت هوة الخلافات، واشتعل الصدام بدلاً من الحوار بين الحضارات في المنطقة التي تعايشت شعوبها على مر العصور في إطار مزيج ثقافي راقي.