يبدو أن المرشحة الأبرز عن الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية، هيلاري كلينتون، لديها مكان فارغ في برنامجها الانتخابي، وفائض وقت، تريد أن تخصصه لقطاع من الأميركيين يؤمن بوجود أطباق طائرة، وغزو كائنات فضائية للأرض. فالسيدة كلينتون تعهدت في مقابلة مع صحيفة "ذا كونواي دايلي صن" أنها ستفتح تحقيقاً حول مدى صحة شائعات متداولة، منذ عقود، حول وجود أطباق طائرة وكائنات فضائية زارت الأرض، إذا ما انتخبت رئيسة للولايات المتحدة الأميركية.
من المعروف أن الشائعات عن وجود أطباق وكائنات فضائية انتشرت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مسرحها وفقاً لتلك الشائعات ما يصطلح على تسميته المنطقة 51 في صحراء جنوب ولاية نيفادا الأميركية، وتقع فيها محطة سرية عسكرية، وعزز الشائعات حينها شهادات بعض سكان قرية روزيل، وهي قرية صغيرة في ولاية نيومكسيكو، عن سقوط جسم طائر يشبه الصحن، وأن السلطات الأميركية منعت حينها سكان القرية من الخروج من بيوتهم خلال عملية رفع حطام، وتم منع التقاط أي صورة للحطام.
لكن على امتداد العقود السبعة الماضية لم يؤكد العلم تلك المزاعم، وكشفت المخابرات المركزية الأميركية مؤخراً عن أن ما يسمى بـ"المنطقة 51" هي موقع لأبحاث واختبارات عسكرية، لدعم وتطوير نظم أسلحة وطائرات تجسس، لاسيما برنامج طائرة "يو2"، التي بني من طرازها أسطول للتجسس على الاتحاد السوفيتي وبلدان المنظومة الاشتراكية، إبان "الحرب الباردة"، واستخدم الموقع المذكور في العقود الثلاثة الماضية لتطوير طائرات من طراز "إف 35" المشهورة باسم "طائرة الشبح". وتضيف بعض التقارير أن "المنطقة 51" استمدت أهميتها وسريتها كونها تضم أكبر المطارات العسكرية في العالم.
إلا أن السيدة كلينتون، على رغم كل المعلومات والتقارير، بما فيها وثائق نشرتها جامعة "جورج واشنطن"، رأت أنه من المناسب أن تستقطب أولئك الذين مازالوا يعتقدون بصحة الشائعات، حول الكائنات والصحون الفضائية، ولذلك وضعت على قائمة برنامجها الانتخابي التزامها بالتحقيق في صحة تلك الشائعات.
والاعتراض هنا ليس على أن كلينتون ممن لا يستبعدون الروايات عن الكائنات والأطباق الخيالية، فمن حقها أن تعتقد بذلك، وأن تحقق فيه إذا كان لديها وقت فائض، غير أنه يجب عليها قبل ذلك أن تراجع، هي وفريقها الاستشاري، لبرنامجها الانتخابي لإدخال تعديلات جوهرية عليه، على ضوء التحذيرات من أزمة مالية اقتصادية أكبر وأخطر من أزمة عام 2008، التي مازالت أسواق واقتصادات العالم تدفع ثمنها حتى الآن.
جدية التهديدات باحتمال اندلاع أزمة مالية واقتصادية عالمية جدية حذر منها جورج سوروس، الملياردير والخبير المالي والاقتصادي الأميركي المعروف، ودعا سوروس المستثمرين إلى اتخاذ الحذر والحيطة في تعاملاتهم في الأسواق المالية، نتيجة رفع أسعار الفائدة الأميركية التي تمثل تحديات خطيرة للدول المتقدمة والنامية أيضاً، خاصة أن الخسائر ازدادت حدتها نهاية هذا الأسبوع مع انهيار أسعار الأسهم الآسيوية خصوصا الصينية لدرجة أن بورصات الصين أوقفت التعاملات لبقية اليوم وذلك للمرة الثانية هذا الأسبوع.
وأضاف سوروس في كلمة له أمام المنتدى الاقتصادي في سريلانكا، أن الأسواق العالمية تواجه أزمة تشبه المأساة التي وقعت في عام 2008، حيث تتعرض العملات والأسهم والسلع لضغوط شديدة في الأسواق العالمية منذ مطلع العام الجديد، وتجاوزت الخسائر 2.5 تريليون دولار حتى الآن، خلال ما يقارب أسبوع واحد فقط.
فضلاً عن أنه يجب على السيدة كلينتون إدخال تعديلات جوهرية على الشق السياسي في برنامجها الانتخابي، كي تلعب الولايات المتحدة الأميركية دوراً إيجابياً وفاعلاً، لتسوية الأزمات والصراعات المحتدمة في العالم، إلا أنه وللأسف من الملاحظ أن كلينتون ليست بصدد التعاطي مع تعديلات في هذا الاتجاه، بل ربما على العكس من ذلك تماماً، مما يدفعها إلى مغازلة قطاع هامشي جداً من الرأي العام الأميركي، يؤمن بقصص الخيال عن كائنات فضائية وأطباق طائرة تغزو الأرض. بينما ثمن بناء سياسة عاقلة الاصطدام مع عتاة اليمين ومجموعات الضغط، وهو ما لا تريده كلينتون، ولا أي مرشح آخر من مرشحي الرئاسة الأميركية. وفي هذه الحال تتحول معركة الانتخابات الرئاسة الأميركية، مرّة أخرى، إلى ميدان للمزايدات، لكسب أصوات الناخبين بأي شكل من الأشكال، حتى لو كان ثمن ذلك تحول بعض المرشحين إلى مهرجين أو إلى مروجي أقاويل مثيرة للجدل.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)