هل الحرية فقط أن أفعل ما أريد، أم أن هناك مفهوم أبعد وأعمق من هذا. إن فكرة "أن أفعل ما أحب، أو أقرر، كيما شئت، وأينما شئت" ليست بالفكرة الدقيقة، وربما ارتبطت بمعنى طفولي عن الحرية، أو ربما يكون لائقا أكثر مع عقل مراهق.
فالحرية في جوهرها ليست كذلك على الإطلاق. ولو تأملنا هذا المفهوم عن قرب، لوجدنا أنه لو فعل حقا كل منا ما يشاء، وقتما يشاء، وعلى النحو الذي يرى، لصار العالم فوضى، وانتهى وجود الإنسان من على وجه الأرض منذ زمن بعيد. الفعل الإنساني له حدود مرتبطة بآخرين يعيشون في الجوار، يتشاركون معنا الحياة، يحتاجون إلى مواردها كما نفعل، لهم طموحاتهم وأحلامهم، في حاجة إلى مساحات فعل تماما مثلنا.
في حين يرى طالب آخر أن الحرية تعني امتلاك الوقت الكافي للقيام بما نحب، للتدريب على فعل الأشياء بشكل صحيح، وعلى النحو الذي يحقق لنا الرضا. فإذا كنت أعاني الفقر على سبيل المثال، ستحجب حريتي، لأني في هذه الحالة علي أن أعمل حتى أستطيع العيش، ومن ثم لن يكن لدي متسع من الوقت لعمل أشياء رائعة. وحين تغيب هذه الحرية، سأكون دائما تحت الضغط. وتحت هذا الضغط، سيصبع العالم من الصعوبة بمكان أن نعيش فيه.
لا شك أن تعريفنا للأشياء يظل حبيسا داخل إطار رؤيتنا للعالم وتجاربنا التي لها دور كبير في صياغة هذه الرؤية. وفي كثير من الأحيان تختلف رؤية الفرد الواحد للأمور على مدار حياته، أو حتى بين اللحظة والأخرى، وليس بالضرورة أن يكون ما يراه صحيحا، نظرا لأن هناك اختلافات كبيرة بين كل منا في مخزون التجارب والرصيد المعرفي، وبالتالي مستوى الوعي الذي يمكننا في الأخير من النظر للأمور على نحو متزن.
وقد تحدث فرانكلين روزفلت عن مسارات أربعة لمفهور الحرية، أهمها في رأيي التحرر من الحاجة، ومن الخوف، وأعتقد أن هذين المحورين من أهم معاني الحرية وحفظ كرامة الإنسان، لذا فإن الإرهاب من أبشع الأفعال الإنسانية، سواء كان هذا الإرهاب لفظيا، معنويا، أو ماديا. كما أن الحرمان والفقر من أكثر عناصر العجز التي تقيد حرية الإنسان وتخضعه لمن يتحكم فيه مقابل تلبيه هذه الحاجة. وتبقى بالتأكيد حرية الكلام والتعبير من أهم مسارات الحرية، وكذلك حرية العبادة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)