مشهد مكرر يحاول من خلاله المتحاورون الإيحاء بأن كل شيء جرى على ما يرام، وبيان ختامي مكرر يوحي وكأن كل الخلافات قد وضعت جانباً ولم يبق سوى تنفيذ القضايا العملية المتفق عليها، وقادت تلك المشاهد والبيانات المكررة في السابق إلى امتحانات كان الفشل نتيجتها، والحديث هنا عن ماراثون المصالحة بين حركتي "فتح" وحماس"، الذي استضافت العاصمة القطرية جولة جديدة منه مطلع الأسبوع الجاري، ويأمل أن يكون نتائج هذه الجولة أفضل من سابقاتها.
كما شدَّد الطرفان على أنها ستخضع للمراجعة والتدقيق في الإطارين القياديين للحركتين، وسيتم طرحها للنقاش مع الفصائل والقوى الفلسطينية الأخرى.
وفقاً المعلومات المتوافرة حول ما اشتملت عليه "الورقة"، اتفق الطرفان على تشكيل حكومة وحدة وطنية تعمل على الإعداد لانتخابات رئاسية وتشريعية، وعقد المجلس الوطني لانتخاب مجلس وطني جديد، وتطبيق ما جاء في اتفاق القاهرة فيما يتعلق بالأجهزة الأمنية، بحيث يتم تشكيل لجنة أمنية عليا، بمساعدة من جامعة الدول العربية، تسليم معبر رفح لجهاز حرس الرئاسة الفلسطينية، دون المساس بأوضاع الموظفين الحاليين في المعبر.
مما لا شك فيه، إن النقاط المذكورة مهمة جداً، وهي في صلب سلة الحل المطلوبة لإنهاء الانقسام الفلسطيني، غير أنها تحتاج إلى استكمال ما ينقصها من قضايا جوهرية، لضمان تحقيق المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس"، فقبل الحديث عن "حكومة وفاق" أو "حكومة وحدة وطنية"، وعن انتخابات رئاسية وتشريعية للسلطة وانتخابات في إطار مؤسسات منظمة التحرير، تتمثل في انتخاب مجلس وطني جديد يتولى انتخاب مجلس مركزي ولجنة تنفيذية، لا بد من توضيح نقاط مفصلية سبق وأن أشرنا إليها في العديد من المقالات السابقة.
النقطة الأولى: في مقدمة أسباب فشل الاتفاقات السابقة، والإعلانات والأوراق المشتركة، بين الطرفين أنها بنيت على محاصصة ثنائية، كانت وما زالت وستبقى وصفة للإخفاق، فنجاح جهود المصالحة وتطبيقها على الأرض يحتاج إلى توافق وطني فلسطيني شامل، لتوحد كل طاقات وإمكانيات الشعب فلسطيني بمختلف تياراته السياسية الوطنية.
النقطة الثانية: أي اتفاق مصالحة يجب أن يبنى على أرضية برنامج وطني مشترك، الأساس فيه توافق سياسي في الأهداف الاستراتيجية، بما فيها الموقف من الاتفاقيات السابقة والمفاوضات وإدارتها، ومرجعية الوفد المفاوض، وعلى ضوء انهيار العملية التفاوضية مع حكومة نتنياهو، ووصولها إلى طريق مسدود، لابدَّ من إجراء مراجعة شاملة.
النقطة الثالثة يجب أن يكون هناك موقف واضح من قبل "حماس" إزاء برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تكون أسس دخولها إلى أطر ومؤسسات المنظمة صحيحة ومفهومة.
النقطة الرابعة: الانتخابات ليست هدفاً بحد ذاتها، ولا فائدة منها إذا لم يتم من خلالها إعادة بناء مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، على أسس ديمقراطية تعددية، ومحاربة كل أشكال الترهل والفساد والمحسوبية، التي تلعب صفقات المحاصصة الثنائية دوراً كبيراً الإبقاء عليها وتوسيعها. وما آلت إليه تجربة الانتخابات السابقة هو تعميق الأزمة السياسية على نحو غير مسبوق في التجربة الفلسطينية، قاد إلى انقسام سياسي وكياني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ونزاع على السلطة بين حكومتين، يفترض أن يكون "اتفاق الشاطئ" قد تجاوزه بتشكيل "حكومة توافق وطني" بين حركتي "فتح" و"حماس"، غير أن الواقع على الأرض مازال على حاله، حيث لا تخضع إدارات السلطة والأجهزة الأمنية في قطاع غزة لسيطرة حكومة رامي الحمد الله.
النقطة الخامسة: توحيد إدارات السلطة والأجهزة الأمنية في الضفة وغزة يجب أن تراعي في المقام الأول المصالح الوطنية الفلسطينية العليا، مع التأكيد مرّة ثانية على أن العملية أقرب إلى عملية إعادة بناء من كونها عملية إدارية بحت.
وليس المقصود من الإضاءة على النقاط الخمسة المذكورة إعادة اكتشاف المكتشف، بل التذكير بأسباب فشل الاتفاقات السابقة بين حركتي "فتح" و"حماس"، للحيلولة ما أمكن دون إعطاء إجابات الإجابة على أسئلة وتحديات النسخة الأخيرة من امتحان إنهاء الانقسام.