ويتابع المسؤول السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، غراهام فوللر، "تركيا أمام معضلة الاختيار بين استمرار سياستها الخارجية الحالية، وبين الرجوع إلى استراتيجية أكثر سلمية التي اتبعتها ذات يوم".
وفي هذا الشأن، كتب فوللر على موقع Consortiumnews.com محللاً الوضع الراهن:
ما الذي يجب أن تفعله تركيا لتتخطى فشل سياستها الخارجية الحالية — إحدى أسوأ السياسات في تاريخ تركيا الحديث؟ إن سخرية القدر في كل هذا تكمن في أن المسؤولين بشكل مباشر عن هذه الفوضى — هم فريق أردوغان (رئيس تركيا الحالي، و أحمد داوود أوغلو (وزير الخارجية سابقاً والآن رئيس الوزراء)- وهو نفس الفريق الذي سار بخطوات مذهلة نحو بناء سياسة خارجية جديدة وفعالة وناجحة لتركيا".
ويقول مسؤول مركز الاستخبارات الأمريكية السابق، إنه أمر لا يُصدق؛ فأردوغان وداوود أوغلو عملا كل شيء ممكن —وغير ممكن- لتدمير العلاقات الخارجية مع كافة الدول التي تهم تركيا: إيران، والعراق، وروسيا، والصين، والولايات المتحدة، وسوريا والكيانات الكردية.
وشدد قائلاً: "وبدلاً من ذلك (تحسين العلاقات) دخلت أنقرة في تحالف مريب وخطير، لا مستقبل له مع المملكة العربية السعودية".
ففي هذه الحالة، السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يتوجب فعله لكي تخرج تركيا من هذا الوضع البائس؟
وحسب قول فوللر، أولاً: يجب على أردوغان أن يعترف أن خطة "الأسد يجب أن يرحل" باءت بالفشل في نهاية المطاف. ثانياً: يجب على أنقرة الانضمام إلى جهود القوى الكبرى في العالم لإحلال السلام في سوريا، ورفض "الفكرة العبثية" التابعة للرياض، حول تشكيل جيش دولي سني ضخم يستولي على دمشق".
وأكد فوللر أنه "بدلاً من صب الزيت على النار وتأجيج الإسلاميين السنيين في المنطقة، على القيادة التركية أن تعود إلى سياستها السابقة — أن ترتقي وتكون فوق كل الفتن الطائفية في بلاد منطقة الشرق الأوسط".
وبطبيعة الحال، على أنقرة "أن تكف عن محاولة جر حلف شمال الأطلسي إلى مواجهات غير حكيمة مع روسيا".
واستطرد فوللر: "إن تدخل موسكو في سوريا في الواقع، جرّد أنقرة من أية خيارات أخرى ومن حرية التصرف هناك. كما أن أنقرة غير قادرة على هزيمة الدبلوماسية الروسية. علاوة على ذلك —شئتم أم أبيتم- موسكو، عمليا، في وضع سياسي جيد فيما يخص التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا".
ودعا رئيس مجلس الاستخبارات الوطنية السابق أيضاً، إلى الانتباه إلى حقيقة نمو الحركات الكردية في الشرق الأوسط وهو واقع يجب أن تتعامل معه أنقرة، ويجب عليها إنشاء روابط قوية مع المجتمع الكردي. إذ أن عدد الأكراد أكثر من 30 مليون نسمة، وعددهم في تركيا يبلغ نحو 14 مليون نسمة.
إن موضوع الأكراد هو أزمة حقيقية للقيادة التركية.
فحسب تحليلات المحلل السياسي والصحفي التشيكي مارتين برغير:
"بإمكان أنقرة إبعاد الأكراد من خلال شن حرب علنية ضد الأقلية منهم. ونتيجة لذلك، ستجد البلاد نفسها وسط حرب أهلية."
ونقلاً عن محللين عسكريين غربيين، حذر الصحفي في مقالته الأخيرة لمجلة New Eastern Outlook:
"إن لم يكن هناك تغييراً في المسار السياسي للبلد (تركيا)، فتركيا لن تستطيع الحفاظ على حدودها."
ومن جهة أخرى، تعتقد الصحفية التركية نوراي ميرت، من صحيفة "حرية" التابعة لـ "ديلي نيوز"، أن أنقرة تعيش بالفعل حالة "حرب غير معلن عنها".
وأعربت الصحفية التركية قائلة:
"إن حالة الحرب غير المعلن عنها في تركيا، تصبح مثيرة للجدل بشكل متزايد يوما بعد يوم. وبدأ هذا منذ أن أخذت تركيا تحارب "وحدات حماية الشعب الكردية"، حليف من حلفاء الغرب. ولهذا السبب تحاول تركيا أن تقنع حلفاءها الغربيين أن "وحدات حماية الشعب الكردية" هي جماعة إرهابية أخرى، وأنها لا تختلف —البتة- عن تنظيم "داعش" الإرهابي، ولذا يجوز لها أن تحاربها".
وأضافت، "ومما زاد الأمر سوءاً، هو أن حلفاء أنقرة لا يبدو أنهم اقتنعوا بـ "الرواية الأردوغانية"، وأن أنقرة أصبحت "صانعة المتاعب" في نظر المجتمع الدولي."
ويعود فوللر ليؤكد:
"كل هذا من شأنه أن يدفعنا نحو الافتراض أن أردوغان سيتصرف بحكمة ولن يضحي بمصالح السياسة الخارجية لتركيا، كما ولن يجر بلده إلى الهاوية وانقسام أكبر لتحقيق نفوذه الشخصي. إلا أن مصالح أردوغان الشخصية لا تتطابق مع مصالح تركيا الوطنية".
وفي حقيقة الأمر، أن أردوغان وداوود أوغلو لا يملكان أي بديل، سوى تغيير مسار السياسة الخارجية —التي تسير وفق مصلحتيهما فقط- واعتماد نهج أكثر سلمية كالذي اعتمداه ذات يوم. وإلا، فإن السياسيان سيجنيان ثمار ما زرعاه!