هناك رؤية سعودية لمستقبل الشرق الأوسط، ويعتمد السعوديون في رؤيتهم على مصر وتركيا، لتشكيل مثلث يحقق مصالح المملكة، في إطار ما تصفه الرياض بـ "تحالف عربي إسلامي"، بالتزامن مع ضغوط تمارسها الإدارة الأمريكية، ومحاولات تركيا أردوغان إنهاء العزلة السياسية، تحت مظلة سعودية. بينما تسعى مصر إلى تحقيق درجة من التناغم مع السياسة السعودية، وفي إطار ما يحقق مصالح بلد الأهرامات ويدعم جهود انتشال الوضع الاقتصادي من أزماته المتلاحقة منذ انطلاق ما يُعرف بـ "ثورة الربيع العربي".
التعاون السعودي التركي في كافة المجالات يقابله تعاون آخر، ربما آخر للمملكة مع مصر، في الوقت الذي تسعى فيه القيادة السعودية إلى مواصلة مساعيها لإنهاء الخلافات بين القاهرة وأنقرة، في حين أن أردوغان مطالب بتسليم كافة القيادات الإخوانية المطلوبة أمام القضاء المصري، وإغلاق القنوات الفضائية التابعة للإخوان والتي تبث من تركيا وتحرض على السطات المصرية، إلى جانب وقف التصريحات المعادية، وعدم التدخل في الشأن الداخلي.
موقف القيادة السعودية تجاه جماعة الإخوان المدعومة من تركيا، اختلف بدرجة كبيرة بعد تولي الملك سلمان مقاليد الحكم في المملكة، ولم يعد يتسم بتلك الشدة والصرامة التي كان عليها الموقف إبان ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013، وأبلغ دليل على ذلك، دعوة السفير السعودي لدى قطر للقيادي في التنظيم الدولي للإخوان، يوسف القرضاوي، للمشاركة في احتفالات السفارة باليوم الوطني السعودي، في أكتوبر/تشرين الثاني من العام 2015، في سابقة هي الأولى من نوعها من سنوات طويلة، فضلا عن أن التوجه السياسي السعودي ملتزم بتطوير علاقاته مع أردوغان الذي يسعى للاستفادة اقتصادياً وسياسياً من الانفتاح على السعودية.
والموقف من الأزمة السورية واستمرار دعم المعارضة المسلحة وضخ المزيد من الأموال لتوفير السلاح للعناصر التي تعبر الأراضي التركية إلى سوريا، والتمسك بتغيير النظام في البلاد، واستجابة أنقرة لدعوة الرياض إلى تشكيل قوات برية للتدخل في سوريا بحجة محاربة الإرهاب، صورة أخرى للتوافق السعودي التركي في إطار استراتيجية غربية تسعى إلى تقسيم المنطقة على أساس طائفي وعرقي، أو ما بات يعرف بـ "سني وشيعي".
الموقف المصري من الأزمة السورية "واضح ولم يتغير" ويتمثل في عدم التدخل في الشأن السوري، واحترام إرادة الشعب السوري، ومكافحة الإرهاب والعناصر المتطرفة، مع العمل على التوصل لحل سياسي للأزمة يحفظ وحدة وسلامة الأراضي السورية ويفسح المجال للبدء في جهود إعادة الإعمار، ووزير الخارجية سامح شكري عبر في أكثر من مناسبة عن أن "مصر لها رؤيتها وسياستها فيما يتعلق بالأزمة السورية"
السعوديون يسعون للاستفادة من المساعدات المقدمة للاقتصاد المصري، وكذلك من الدعم المقدم إلى تركيا أردوغان، ومن بعيد يترقبون التحرك الإيراني بالمنطقة، وبالتالي سوف تستمر الجهود للضغط على القاهرة وأنقرة لإنهاء الخلافات، وطرح رؤية المملكة للمنطقة على أرض الواقع، بينما يظل دعم أردوغان للإخوان ونهج الملك السعودي تجاه الجماعة، عقبة أمام قبول الشارع المصري استعادة العلاقات مع تركيا التي تسير في اتجاه معاكس لإرادة شريحة كبيرة من المصريين.
ارتباط السياسة السعودية والأمريكية له تاريخ طويل، يعود إلى العام 1931، ويظل البعد الإسلامي عنصراً مهماً في العلاقة بين البلدين إلى جانب التعاون الاقتصادي والعسكري، فضلا عن التنسيق السياسي، وتاريخياً، اعتمد صانع القرار الأمريكي على هذا البعد في مواجهة القوى العربية الرافضة لسياسة واشنطن في المنطقة.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)