ومع محاولات التكفير عن هذا الذنب الكبير في حق البشرية من خلال صرف تعويضات لضحايا هذه الانتهاكات، و السماح لأبناء هذه الشريحة بالانخراط في مؤسسات الدولية والحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، فإن بعض الدول في منطقة الخليج لا تزال متمسكة بصورة حديثة للعبودية وهو نظام "الكفيل" في استغلال لحاجة العامل الأجنبي إلى العمل وتأمين مصدر للدخل، والتحكم في مقدراته وفرض الكثير من القيود على حريته لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت في عهود غابرة.
العبودية الحديثة
رغم الوعود التي قطعتها الدول الخليجية على إلغاء نظام "الكفيل" إلا أن ذلك لم يتجاوز الوعد وأن النظام الذي يحكم العمالة الأجنبية في هذه البلاد يعتمد بشكل أساسي "الكفيل" أي أن العامل لا يمكنه الالتحاق بسوق العمالة في المملكة العربية السعودية إلا من خلال كفيل سعودي. وتبرر السلطات الرسمية التمسك بهذا النظام بضمان سداد الديون والالتزامات التي قد تكون على العامل الأجنبي عند مغادرته.
الواقع يؤكد أن هذا النظام يرتبط بكثير من انتهاكات حقوق الإنسان التي تجعل حقوق العامل الأساسية مرتبطة برضا "الكفيل" حيث لا يستطيع العامل الأجنبي الإقامة أو الانتقال لعمل آخر إلا بعد موافقته، كما أن الكفيل يحتفظ بجواز السفر الخاص بالعامل، ولا يستطيع العامل مغادرة السعودية إلا بعد حصوله على موافقة مكتوبة، فضلا عن أن كل الإجراءات القانونية والحكومية الخاصة بالعامل، وحتى تلك المتعلقة بجوانب حياته، كاستصدار بطاقة تأمين صحي أو رخصة قيادة أو فتح حساب بنكي أو حتى استقدام الزوجة، لا يمكن أن تتم سوى من خلال الكفيل الذي يتحكم حتى في مصدر دخله.
وتسجل منظمات حقوق الإنسان الكثير من حالات الابتزاز التي يقوم به الكفيل ضد العامل الأجنبي، من خلال طلب مقابل مالي للموافقة على سفره أو استصداره رخصة قيادة أو استقدام عائلته أو حتى نقل الكفالة إلى صاحب عمل جديد.
ومن هنا فإن نظام الكفيل المعمول به في المملكة ودول الخليج لا تتوافق مع قوانين حقوق الإنسان، لا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966.
ممارسات شخصية:
ويقول رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، في حديثه لـ "سبوتنيك" إن نظام "الكفيل" لا يتوافق مع النموذج المقرر من المنظمات الدولية وبالتحديد منظمة العمل الدولية، وبالتالي على حكومات دول الخليج التراجع عن هذا النظام، مشيراً إلى أن عدد من دول الخليج بدأت تفكر في الأمر خصوصاً السعودية والإمارات.
ولفت إلى أن سكان هذه الدول أقلية أمام حجم العمالة الأجنبية، وبالتالي فهناك مخاوف من تغير ديمغرافي محتمل في حال انتشار العمالة الأجنبية، وبالتالي فهذه الدول مطالبة بتغيير نظام الكفيل إلى نظام آخر يحافظ على حقوق السكان الأصليين، ويضمن حياة كريمة ومناخ مناسب للعمالة الأجنبية.
وبينما يرى رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان، أن تنظيم الوضع الداخلي في أي دول هو عمل من أعمال السيادة، شدد على أن كل ذلك يجب أن يتم وفق قواعد القانون الدولي المعاصر والاتفاقيات والمعاهدات الدولية فضلا عن القواعد التي أقرتها منظمة العمل الدولية والتي وضعت اشتراطات محددة في تنظيم بيئة العمل، وبالتالي فهي ملزمة بما يتفق والقانون الدولي ولا ينتهك حقوق العامل، ولا يخل بمبدأ السيادة.
اعتبر أبو سعدة أن الانتقادات الموجهة إلى نظام "الكفيل" شخصية وموجهة إلى ممارسات شخصية وأن البعض يسيء استخدام حقوقه حتى تلك المنصوص عليها في القوانين المحلية، وأن هذا انعكس على بيئة العمل والتي تواجه انتقادات على المستوى الدولي.
ودعا إلى تبني نظام يجمع ما بين حماية الخصوصية للمجتمعات الخليجية واحترام حقوق الملكية وحقوق الدولة، وفي نفس الوقت حماية العامل من أي انتهاكات، موضحاً أن ذلك يكون من خلال عقد العمل وفق القواعد المنصوص عليها في منظمة العمل الدولية بما يحقق المنفعة المتبادلة بين العامل والدولة التي تسعى للحفاظ على هويتها.
وفيما يتعلق بوعود حكومات الخليج بإلغاء نظام "الكفيل" وتبني قواعد جديدة، عبر رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان عن ثقته في تنفيذ تلك الوعود، مشيراً إلى أنه كانت هناك استجابة للانتقادات التي وجهت إلى استخدام الأطفال في سباق "الهجن" وقررت هذه الدول حظر استغلال الأطفال في هذا السباق، واعتقد أن هذه الوعود سيتم تفعليها على أرض الواقع من خلال تطبيق المعايير الدولية في النظام الذي يحكم العمالة الأجنبية.
حساسية مفرطة:
حاولت "سبوتنيك" التواصل مع عدد من السعوديين وفي دول الخليج الأخرى، المختصين بملف العمالة الأجنبية، للرد على الانتقادات الموجهة لنظام "الكفيل" في بلادهم ولكن الجميع عبر عن عدم الرغبة في الحديث ربما خوفاً من ردود الفعل أو بسبب الحساسية المفرطة تجاه الحديث عن نظام مرتبط بعدد من الملفات التي تتعلق ببيئة المال والأعمال وربما النظام الاقتصادي لدول المنطقة.