(الجزء الثاني من المقابلة)
سبوتنيك: الحديث يدور عن أن هناك من يطالب بضرورة انتخابات رئاسية مبكرة في سورية! هل أنتم جاهزون للذهاب إلى انتخابات رئاسية مبكرة؟
الرئيس الأسد: هو لم يُطرح كجزء من العملية السياسية الحالية طبعاً، المطروح هو أنه بعد الدستور يكون هناك انتخابات برلمانية، وهذه الانتخابات البرلمانية تُظهر ما هو حجم القوى السياسية الموجودة في الساحة، وبالتالي يكون هناك حكومة جديدة تُبنى بتشكيلها على حسب التوزّع للقوى السياسية في البرلمان الجديد. أما انتخابات الرئاسة فهي موضوع مختلف تماماً.
هذا يرتبط بكيفية الوضع الشعبي في سورية، هل هناك رغبة شعبية بانتخابات رئاسية مبكرة. إذا كان هناك مثل هذه الرغبة أنا لا يوجد لدي مشكلة. هذا طبيعي عندما يكون استجابة لرغبة شعبية، وليس استجابة لبعض القوى المعارضة، هذا موضوع يمسّ كل مواطن سوري، لأن كل مواطن يصوّت على هذا الرئيس. فبالمبدأ أنا لا توجد لدي مشكلة، لأن الرئيس لا يستطيع أن يعمل بدون دعم شعبي، وإذا كان لدى هذا الرئيس دعم شعبي يجب أن يكون مستعداً دائماً لمثل هذه الخطوة. فأستطيع أن أقول بالمبدأ لا يوجد لدينا مشكلة، ولكن لكي نقوم بهذه الخطوة نحن بحاجة إلى رأي عام في سورية وليس رأياً حكومياً أو رأي رئيس.
الرئيس الأسد: الأفضل بالنسبة لنا في سورية على ما اعتقد هو أن ينتخب الرئيس مباشرة من قبل المواطنين وليس من خلال البرلمان، لكي يكون أكثر تحرراً من تأثيرات القوى السياسية المختلفة، لكي تكون علاقته خاضعة فقط للحالة الشعبية العامة. هذا من وجهة نظري الشخصية هو الأفضل في مثل هذه الحالة. أما بالنسبة لانتخاب السوريين، فكلما كان هناك مشاركة أوسع من قبل السوريين، كل من يحمل جواز سفر وهوية سورية، كلما كانت هذه الانتخابات أكثر قوة من خلال تأكيد شرعية الدولة والرئيس والدستور المشرف على هذه العملية، وهذا يشمل كل سوري سواء كان داخل سورية أو خارج سورية، ولكن طبعاً عملية الانتخابات خارج سورية هي قضية إجرائية ولا تناقش كمبدأ سياسي. فكل مواطن سوري في كل مكان من العالم له الحق في أن ينتخب، ولكن كيف تتم هذه الانتخابات، هذا موضوع لم نناقشه بعد، لأن موضوع الانتخابات الرئاسية المبكرة لم يطرح بالأساس. ولكن هذا موضوع يرتبط بالإجراءات التي تمكن هؤلاء من المجيء إلى صندوق تشرف عليه الدولة السورية.
سبوتنيك: كيف تقيّمون مسار المصالحة في الحرب في سورية؟ لقد ظهر لديكم شركاء كثر. من الممكن بأن هناك مجموعات لستم جاهزين لتناقشوا معها مستقبل سورية تحت أي ظرف كان. من هي هذه المجموعات؟ أريد أن أسأل أيضاً عن قوات حفظ السلام الدولية. هل أنتم جاهزون لتستقبلوا قوات حفظ سلام دولية (تابعة للأمم المتحدة) لكي تجعلوا المصالحة أكثر ثباتاً؟
لذلك بالنسبة لنا كدولة، المبدأ العام هو أننا مستعدّون لاستيعاب كل مسلح يريد أن يلقي سلاحه بهدف أن نعيد الأمور إلى شكلها الطبيعي وأن نحقن الدماء السورية.
سبوتنيك: وماذا عن قوات السلام التابعة للأمم المتحدة؟ هل أنتم جاهزون لاستقبالها لجعل هذه المصالحة أكثر ثباتاً؟
الرئيس الأسد: هذا الكلام غير واقعي، لأن هذه القوات عادة يكون عملها مبنياً على اتفاقيات دولية، وهذه الاتفاقيات الدولية توافق عليها دول، فمن هي هذه الدول؟ في هذه الحالة غير موجودة. هناك فقط الدولة السورية كطرف، أما الطرف الآخر فهو ليس دولة، هي مجموعات إرهابية. هل يمكن للأمم المتحدة أن توقّع اتفاقية مع المجموعات الإرهابية؟! هذا الكلام غير منطقي على الإطلاق.
وحتى لو أرادوا أن يقوموا بذلك، من هي هذه القوى، غير معروفة، غير واضحة. أنت تتحدث عن عصابات تظهر وتختفي وتندمج مع بعضها وتنقسم على بعضها. فهي حالة غير واضحة. وبنفس الوقت، من الناحية العسكرية هذا الأمر بحاجة لجيشين موجودين على طرفي الحدود، وهناك اتفاقية تحدّد بدقة المواقع من الناحية الجغرافية. كل هذا غير متوفّر، فلو وافقنا وجلبنا هذه القوات، كيف ستعمل؟ لذلك أقول إن هذا الكلام غير ممكن.
الرئيس الاسد: أنا أحبّ الحديث عن الحقائق على الأرض. فربما أنا أقول بأن النجاح كبير، وربما يأتي شخص آخر يقول إن النجاح قليل. هذا كلام يختلف بحسب الأشخاص. ولكن دعنا نجري مقارنة بسيطة. كيف كان الوضع قبل التدخل الروسي، عندما كان التحالف الغربي يعمل على الأرض منذ أنشئ هذا التحالف قبل أكثر من عام ونصف؟ كان الإرهاب يتمدد بشكل كبير في سورية والعراق. وبعد 6 أشهر من التدخل الروسي كيف أصبح الوضع؟ أصبحت القوى الإرهابية تتراجع، وخاصة "داعش". فإذاً الواقع يقول بأن الروس نجحوا نجاحاً كبيراً حسب وجهة نظرنا، وخاصة في المجال العسكري، من خلال الميدان، في دحر الإرهاب إلى درجة كبيرة. وفي جميع الأحوال المعركة لم تنتهِ بعد ومازالت مستمرة.
سبوتنيك: إذا عدنا إلى مسألة القواعد الروسية، فإن ستيفان دي مستورا عرض في خطة قدمها في جنيف بنداً معيناً عن عدم تواجد قوات أجنبية في سورية. هل تعتقدون مثلاً بأن قاعدة حميميم تحتاجها سورية بشكل دائم؟
الرئيس الأسد: أولاً، دعوة قوات أجنبية إلى دولة ما، هو من حق أي دولة، هو حق سيادي وموجود في الكثير من دول العالم. فلا يستطيع أحد أن يمنع هذا الشيء، إلا إذا كان هناك دستور يحدد هذا الكلام بشكل واضح ويقول بأنه لا يُسمح لهذه الدولة بدعوة قوات أجنبية. وهذا الدستور غير موجود الآن، ولا أعتقد بأن هناك رأياً شعبياً عاماً في سورية يريد لهذا الدعم الروسي أن يتوقف سواء الآن أو في المستقبل، وبالتالي خروج القوات الروسية.
النقطة الثانية، في الظرف الحالي نحن مازلنا في قلب المعركة، لم ننته. الجواب يجب أن يكون حول قاعدة حميميم، وحجم القوات الموجودة فيها يجب أن يتناسب ويتوافق مع حجم هذه المهام التي تقوم بها هذه القوات ومع حجم الإرهاب في سورية. مازال الإرهاب قوياً. وصحيح أننا نجحنا مع القوات الروسية في تقليص رقعة الإرهاب، ولكنه مازال قوياً ومازال هناك متطوعون يأتون من الخارج ومازالت تركيا تدعم الإرهاب، وكذلك السعودية وغيرها. فإذاً لا يجوز أن يكون حجم القوة الموجودة فيها أقل من القوة الضرورية لمكافحة الإرهاب. بعد أن نهزم الإرهاب بشكل كامل وقتها يكون هناك نقاش آخر. أعتقد بأن الدولة الروسية نفسها ستقلص من حجم القوات التي ليس لها عمل وسيكون هناك نقاش مختلف.
سبوتنيك: ولكن نحن قلّصنا حجم القوات. ومع هذا بالنسبة للكثيرين من المقلق تواجد منظومة "إس إس 400"
؟ برأيكم إلى أي مدى زمني ستبقى هذه المنظومة؟ هل هناك مجال زمني؟ هل طلبتم من روسيا أن تسلمكم هذه المنظومة المضادة للطيران؟
الرئيس الأسد: أعتقد بأن الأطراف التي تنزعج من الوجود الروسي. هي منزعجة لأن الوجود الروسي يكافح الإرهاب. ولو قرر الرئيس بوتين أن يرسل قواته لمساعدة الإرهابيين لصفّقوا له. هذه هي المشكلة مع دول الغرب. فليست المشكلة بالنسبة لهم وجود القاعدة الروسية في هذه المرحلة، وهناك جانب آخر أيضاً. وهو أنهم لا يريدون لروسيا أن تتواجد على الساحة الدولية لا سياسياً ولا عسكرياً ولا اقتصادياً. فأي عمل تقوم به الدولة الروسية ويعطي لروسيا موقعها الحقيقي كقوة عظمى من الصف الأوّل وليس من الصف الثاني كما يريد الأمريكيون لروسيا أن تكون. أي عمل من هذا النوع سوف يزعج الغرب بشكل عام. هذا هو سبب انزعاجهم. أما بالنسبة لإبقاء القوات الروسية في سورية، فكما قلت لك قبل قليل هو مرتبط الآن بموضوع مكافحة الإرهاب ومرتبط لاحقاً بموضوع الوضع الجيوسياسي الموجود في العالم. بالنسبة لنا كدولة صغيرة، وكثير من الدول الصغيرة الأخرى تشعر بالراحة والأمان عندما يكون هناك توازن دولي. فعندما يكون جزء من هذا التوازن الدولي عملاً عسكرياً أو قواعد عسكرية فنحن نرحب به لأنه يخدمنا بالمعنى السياسي. هذا موضوع هام جداً بالنسبة لنا ولكثير من الدول في العالم.
سبوتنيك: إذاً لا يدور الحديث عن مدة زمنية لنقل المنظومة الروسية المضادة للطيران "أس — 400" إلى الجيش السوري؟
الرئيس الأسد: لا، حالياً لا يوجد. هذا غير مرتبط بوجودها في اللاذقية. هذا مرتبط بالعقود المباشرة بيننا وبين الجيش الروسي. عقود الشراء.
سبوتنيك: هل نستطيع أن نحدد الآن مبلغ العقود التي تقدّم روسيا بموجبها الأسلحة العسكرية، والسلاح لسورية وللجيش السوري! ما هي العقود الجديدة الموقّعة؟
الرئيس الأسد: في هذه الظروف نحن نركّز على الأسلحة التي نحتاجها بشكل مباشر لمكافحة الإرهابيين، وهي قد تكون من الأسلحة المتوسطة والخفيفة بالدرجة الأولى، وبالتالي لا نرى الآن ضرورة للتركيز على الأسلحة الاستراتيجية في مثل هذه الحالة وفي مثل هذا النوع من الحروب. أما بالنسبة للحجم، لنقُل حجم العقود بالمعنى المالي، فنحن عادة لا نعلن عن حجم هذه العقود. يبقى الموضوع بين الجيش السوري والجيش الروسي.
سبوتنيك: الآن سننتقل إلى موضوع أكثر سلاماً، كيف يتم التحضير للانتخابات البرلمانية في 13 نيسان، هل أنتم مرتاحون لما يحدث الآن؟
سبوتنيك: مع هذا، العملية السياسية في سورية تحدث في ظروف تدخل بري في البلاد، قد يكون ليس تدخلاً معلناً تماماً، تركيا دائماً تقصف الأراضي السورية! هل هناك خط أحمر، وبعده قد يفرغ صبركم وستتعاملون مع هذا كاعتداء مباشر! هل هناك خط أحمر ستتجاوزه بعض الدول في تدخّلها مثل تركيا والسعودية سيجبركم على اتخاذ تصرفات أكثر تشدداً؟
الرئيس الأسد: بالنسبة لتركيا بالدرجة الأولى، وبالنسبة للسعودية، فهم منذ الأسابيع الأولى وربما الأشهر الأولى في الحرب على سورية تجاوزوا كل الخطوط الحمر، كل ما قاموا به، منذ البداية يعتبر عدواناً، عدوان بشكل سياسي، أو بشكل عسكري عن طريق دعم الإرهابيين وتسليحهم، أو عن طريق العدوان المباشر برماياتهم المدفعية وأحياناً بخروقاتهم العسكرية
الرئيس الأسد: أولاً يقوم بدعم الإرهابيين بشكل مباشر، يسمح لهم بالتنقل داخل الأراضي التركية للقيام بمناورة عسكرية بدباباتهم، وليس فقط كأشخاص، يقدم لهم الأموال عن طريق السعودية وقطر، طبعاً عبر تركيا، يقوم ببيع النفط الذي تسرقه "داعش"، بنفس الوقت كان يقوم برمايات مدفعية تجاه الجيش السوري عندما كان يتقدم لكي يدعم الإرهابيين. كان يرسل إرهابيين أتراك ليقاتلوا مع الإرهابيين الآخرين في سورية، وهذا الشيء مستمر. الاعتداء على الطائرة الروسية في الأجواء السورية هو أيضاً عدوان على سورية لأن هذه الطائرة كانت في أجوائنا، وبالتالي تحت السيادة السورية. كل هذه الأشياء يقوم بها منذ البداية، بالإضافة للتصريحات التي تعبّر عن تدخل في الشؤون الداخلية.
كل ما قام به أردوغان هو عدوان بكل معنى الكلمة، فنستطيع أن نقول بأننا فقدنا الصبر وفقدنا الأمل منذ وقت طويل بأن هذا الشخص قد يتغيّر، ولكن اليوم الحرب على أردوغان وعلى السعودية تكون من خلال ضرب الإرهابيين.
فالجيش التركي، أو جيش أردوغان وليس الجيش التركي هو جيش أردوغان الذي يقاتل في سورية اليوم، هم الإرهابيون، فعندما تضرب هؤلاء الإرهابيين في سورية فأنت تؤدي لهزيمة أردوغان بشكل مباشر، فعلينا أن يكون ردّنا في الداخل السوري أولاً، بعدها أنا أعتقد عندما نهزم الإرهاب، الشعب التركي ليس ضد سورية، ولا يكنّ أية عداوة لسورية ستكون العلاقات جيدة، هذا في حال بقي أردوغان في مكانه.
سبوتنيك: أنتم جئتم إلى موسكو في الخريف الماضي مع كثير من القضايا المطروحة، ما الذي اتفقتم عليه بالضبط أنتم والرئيس بوتين، هل هناك اتفاقات وُقعت؟ ما هي بنود اتفاقيتكم المكتوبة؟ أم أنكم مستمرون في التشاور معتمدين على علاقة خاصة فيما بينكم؟ ما يسمح لكم بأن لا تسجّلوا هذا على الورق؟
الرئيس الأسد: هذه الزيارة كانت بظرف خاص، فقد أتت بعد أقل من أسبوعين من بداية الدعم الروسي للقوات السورية، فلا شك أن هذا الشيء فرض نفسه على جدول أعمال الزيارة، كان هذا هو الموضوع الأساسي، وما هي الرؤية المشتركة بيني وبين الرئيس بوتين للمرحلة القادمة بالنسبة لمكافحة الإرهاب وبالنسبة للعمل السياسي. فكان التركيز فقط في كل هذه الزيارة على هذين الموضوعين ولم يكن هناك اتفاقيات وإنما عملية تشاور وحوار. التركيز كان على نقطتين: أولاً العملية العسكرية التي بدأت في ذلك الوقت، وبالتالي ضرورة ضرب الإرهاب. النقطة الثانية: كيف نستفيد من العملية العسكرية من أجل دعم المسار السياسي. وكانت أسئلة الرئيس بوتين حول نفس النقاط التي سألت عنها منذ قليل، وهي تصوراتنا للعملية السياسية التي يمكن أن تنطلق في جنيف أو في أي مكان آخر في ذلك الوقت. لم نناقش عملياً في تلك الزيارة سوى هذه الموضوعات.
سبوتنيك: السيد الرئيس، أنا ممتن لكم على هذا اللقاء الصريح، قد أكون لم أسأل عن أمر ما وأنتم تريدون إضافته؟
الرئيس الأسد: أنا أولاً أشكركم لمجيئكم لسورية في هذا الظرف تحديداً، وأنا أريد أن أقول إنني أستطيع عبر مؤسستكم الإعلامية الهامة أن أنقل شكر كل مواطن سوري لكلّ مواطن روسي على الدعم الذي قدمته روسيا لسورية خلال الأزمة، سواء كان هذا الدعم سياسياً معنوياً إنسانياً ومؤخراً عسكرياً. فكل مواطن روسي كان هو الداعم الأساسي للرئيس بوتين لاتخاذ مثل هذا القرار. واليوم نحن بالرغم من هذه الظروف الصعبة، نعيش فرحة استعادة مدينة تدمر التي تعبّر عن إرث إنساني لكل العالم. ونعتقد أنه بالإضافة للجيش السوري الذي كان مصمّماً على استعادتها، فروسيا لها دور أساسي بالإضافة لإيران وللقوى الأخرى التي تقاتل مع سورية. فنوجّه مرة أخرى الشكر لكل مواطن روسي عبركم، ونقول إن ما بنيناه من علاقات عبر ستين عاماً أصبح أكثر متانة وصلابة. وكلنا أمل بالدور الروسي الكبير على الساحة العالمية وليس فقط في سورية، في مكافحة الإرهاب وفي إعادة التوازن إلى السياسة في العالم.
وشكراً لمجيئكم.
لقراءة الجزء الأول تابع الرابط.