ونقدم فيما يلي النص الكامل للمقابلة:
سبوتنيك: كيف تنظرون إلى الوضع الحالي في سوريا، بعد الانسحاب الروسي الجزئي، وبدء المفاوضات السياسية، وتثبيت وقف إطلاق النار، واستمرار العمليات القتالية ضد الإرهاب؟
باسيل: من الواضح أن ثمة تطوراً إيجابياً في مجال مكافحة الإرهاب ودحره، ولكن هذا التطور ينبغي استكماله. لبنان من الدول التي تشعر بارتدادات الإرهاب وتداعياته، وبالمحاولات التي يقوم بها الإرهاب للتفلت من القبضة الدولية المتناغمة مع أطراف محلية في سوريا، وعلى رأسها الجيش السوري والأطراف الأخرى الراغبة في مكافحة الإرهاب. هذه القبضة الدولية يجب أن تخنق الإرهاب بالكامل داخل سوريا، وأن تنمع تسرّبه إلى الخارج. الأمر الإيجابي الآخر، هو النمط المتطور الذي نشهده في العملية السياسية، التي بدأت بالفعل، ويجب استكمالها، بحيث تنتهي إلى ضمان خيار حر للشعب السوري لتحديد مصيره انتقالاً وثباتاً.
- سبوتنيك: هل سيشارك لبنان في الاجتماعات المقبلة لمجموعة العمل الدولية حول سوريا، وماذا سيطرحه خلال هذه الاجتماعات؟
باسيل: لبنان يشارك حيث تكون مشاركته مفيدة، وأقصد بذلك المشاركة السياسية لدعم سوريا، الدولة الموحدة. ولكن لبنان يبتعد عن النقاط الخلافية القائمة بين السوريين، لأننا نعتقد بأن ترك المجال للسوريين أنفسهم لكي يقرروا بأنفسهم، وأن يختاروا ممثليهم عبر الانتخابات، هو الحل الأفضل والأنسب لهم، مع أننا، وبحكم تجربتنا اللبنانية، نقدّم النصح والتصورات اللازمة بغرض الوصول إلى استقرار دائم وطويل الأمد في سوريا، وليس تسوية مؤقتة مفروضة من الخارج لن تدوم.
- سبوتنيك: ثمة من يقول إن لبنان قد يكون نقطة استهداف جديدة للإرهاب، خصوصاً بعد الهزيمة التي تكبدها "داعش" في تدمر. هل تتفقون مع هذا الرأي؟ وما الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمنع سيناريو كهذا؟
باسيل: هذه المخاوف لم تتوقف يوماً. طوال الفترة الماضية، حاول الإرهاب اختراق الحدود، والتغلغل من الداخل، أي ضمن المجتمع اللبناني، سواء في المخيمات الفلسطينية أو المخيمات السورية أو داخل أي بيئة أو حي قد يظهر أنه غير ناقم على الإرهاب. هذا الاعتبار نضعه دوماً في الحسبان. كما أن ثمة مخاوف من أن تعمد بعض الجهات الراعية للإرهاب والمموّلة له إلى خلق بدائل له بعد سلسلة الهزائم في سوريا، ولبنان ربما يكون أحد هذه البدائل المحتملة. ولهذا السبب فإن ثمة حاجة ملحّة إلى زيادة الوعي وتعزيز الوحدة الوطنية ضد الإرهاب ومنابعه، وضمان توافر دعم دولي يصل إلى حدود تقديم المساعدة السريعة للجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية لمكافحة الإرهاب.
- سبوتنيك: من أبرز القضايا التي يشكو منها لبنان، نتيجة للأزمة السورية، هو وجود مئات آلاف النازحين السوريين، وهو ما يدفع البعض إلى إبداء مخاوف من توطين هؤلاء في لبنان. كيف تواجهون هذه المشكلة، وهل ستطرحون هذه الهواجس أمام مجموعة العمل الدولية؟
باسيل: هذه القضية أثرناها منذ بدء الأزمة السورية، ولم نتوقف، ولن نتوقف، لأننا نراها وجودية للكيان اللبناني والدولة اللبنانية. لقد أثرنا هذه القضية خلال اجتماعات مجموعة العمل الدولية حول سوريا. وخلال التباحث على طاولة المفاوضات، بوجود ممثلي الدول العشرين المشاركة، نجحنا في إقناع تلك الأطراف بأن عودة اللاجئين إلى سوريا يجب أن تكون آمنة، وفي الوقت ذاته كاملة وإلزامية، ما يعني ضمان عودة كل النازحين مع بدء حل سياسي وانتهائه.
نحن نرى أن لا حل كاملاً في سوريا طالما هناك مواطن مهجر من بلده ولا يمتلك أسباب العودة الآمنة واللازمة والحياة الكريمة.
نُفاجأ دوماً، أنه برغم الاتفاق على هذه المبادئ المتعلقة بعودة اللاجئين، ثمة من يقول إن هذه العودة يجب أن تكون اختيارية، هذا أمر يدفعنا إلى القلق. ماذا تعني "عودة اختيارية"؟ هي تعني أن من لا يريد لا يعود، وكذلك من اندمج لا يعود.
لبنان بلد مضياف، والبقاء الطويل الأمد للاجئين في لبنان، أو أي دولة أخرى، تجعل المواطن السوري، سواء من تأقلم حياتياً أو اندمج اجتماعياً أو تعلم ثقافياً وتربوياً، يختار البقاء طويلا، وهذا ما يُسمّى التوطين، وهو أمر ممنوع في دستورنا، وليس مجر فزاعة أو رهاب. هو حقيقة قائمة على الأرض، وينبغي علينا كلبنانيين، ومجمتع دولي، أن نواجهها، وإلا فإننا نساهم في تغذية الحقد عند الناس، لأن كل مهجر مظلوم، ومن المؤكد أنه حاقد على من تسبب بتهجيره، وربما يرد على ذلك بشكل انتقامي قد يصل إلى حد العنف عند البعض، وهو ما يساهم في عدم الاستقرار، وصولا إلى تغذية الإرهاب أقله في الجانب الفكري وتغذية الكراهية.
سبوتنيك: هل تعتقدون أن هذه القضية نتيجة إهمال، عجز، أو مؤامرة؟
باسيل: هناك إهمال من جهة، وهناك عجز من جهة ثانية، وهناك أيضاً خطة ممنهجة وثابتة لتفريغ سوريا من بعض عناصرها المعتدلة والملتحمة في مكونات المنطقة هذه، لكي تصبح هناك كيانات متفرقة على حساب الدول القوية والمركزية والموحدة. الهدف هو خلق كيانات متبعثرة، تتصارع في ما بينها، بما يريح أطرافاً متربصة بالمنطقة، مثل إسرائيل أو غيرها من الدول التي تفضل أن تصبح منطقتنا مشرذمة بما يسهّل عليها نهب ثرواتنا.
سبوتنيك: كيف تقيّمون الدور الروسي عسكرياً وسياسياً في سوريا؟
باسيل: نحن نرحب بكل من يقوم بشكل فعلي بملاقاتنا في أفكارنا الإنسانية. محاربة الإرهاب فكر إنساني معولم، وما قامت به روسيا أثبت أنها أكثر دولة جدية في مكافحة الإرهاب حتى الآن، وهو ما تظهره النتائج التي حققتها حملتها العسكرية في سوريا، مقارنة بستين دولة أخرى. لذلك، فإننا دعونا إلى تحالف بين روسيا و"التحالف الدولي"، إلى جانب إيران ودول أخرى معنية، بما يضمن تشكيل قوة واحدة جدّية في مكافحة الإرهاب، لأن المواجهة في تلك الحالة لن تكون محصورة في نقطة جغرافية واحدة، وميدان واحد، وإنما ستطال كل الميادين الجغرافية والقطاعية، كالفكر والمال والسلاح والأمن والاستخبارات… إلخ.
ما الحل برأيكم لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان، لا سيما في عنوانها العريض المتمثل في انتخابات رئاسة الجمهورية؟
يكفينا ما سمعناه بالأمس في روسيا من الوزير سيرغي لافروف. المطلوب أن تساعدنا الدول الكبرى على تعزيز استقلالنا، بحيث لا تسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا الداخلية، وأن يُترك للشعب اللبناني أن يقرر مصيره ويختار قادته من دون "فيتوات" من الخارج، ولا تحفيزات وإملاءات على حساب الشعب اللبناني. هذا الحل إذا اعتمد في لبنان يبقى ويدوم، وكذلك الأمر في سوريا، إذ لا حل سوى بالعودة إلى خيار الشعوب على أرضها لكي تؤمّن بنفسها الاكتفاء الذاتي والتداول السلمي للسلطة السياسية، بما يضمن بقاءها دولاً قوية وقادرة على مواجهة الإرهاب بنفسها، من دون اتكال على الخارج، ومن دون السماح للخارج بتسهيل الأعمال الإرهابية.