دمشق — سبوتنيك — فداء شاهين
ترك إدريس داوود عمله كتاجر وبائع للأدوات الكهربائية في العام الثاني من عمر الأزمة السورية، ليشكل مبادرة تحمل اسم شباب المجتمع المدني في الحسكة. ولاقت المبادرة اندفاعاً وتحمساً من جانب شريحة الشباب من مختلف المستويات التعليمية، ليتغلبوا على الظروف والمشاكل والاعتداءات وحالات التوتر التي عاشتها المدينة، التي صمدت في وجه هجمات "داعش" المتكررة.
يقول إدريس لـ"سبوتنيك":
بعد دخول الأزمة عامها الثاني، وجدنا أنه من الضروري تفعيل العمل التطوعي والاجتماعي، خاصة مع ظهور المحاولات الخبيثة لإحداث فتنة أو خرق اجتماعي في صفوف أبناء المدينة الذين اعتادوا على المحبة والألفة والتعايش المشترك. وكان تعزيز حالة التماسك السبب الأساسي الذي دفعنا لتطوير العمل دون الارتباط بأي جهات أو منظمات داخلية أو خارجية ، حيث يتم الاعتماد بشكل كامل على تعزيز حالة التكافل الاجتماعي، لتقديم مساعدات في المجالات الثقافية والخيرية والفنية والرياضية والخدمات الاجتماعية والصحية والإسعافية.
ويضيف إدريس أن حالة الهجرة والشائعات الكثيرة التي تحدث نتيجة نشوب مواجهات مسلحة بين الأطراف المسيطرة عسكرياً على مدينة الحسكة، دفعت إلى تطوير هذه التجربة، حيث يوضح إدريس أن تقبل الأهالي للنشاطات التي يتم تنفيذها زاد بشكل ملحوظ مع ازدياد حجم المشاركة في مختلف الفعاليات المنفذة على امتداد مساحة المدينة، بغض النظر عن الطرف المسيطر على الأرض في المنطقة أو الأحياء التي يتم فيها تنفيذ النشاطات.
المبادرة لاقت إقبالا اجتماعياً ومساهمة من جانب الشخصيات الفاعلة في المجتمع، وهو ما يبرز في موقف اختصاصي الجراحة العامة الدكتور زهير جورج الذي يشير بدوره إلى الحرص على المشاركة مع هؤلاء الشباب، في سبيل تقديم أكبر خدمات طبية وصحية وتوعوية للأهالي، نظراً للحاجة الماسة في الفترة الحالية إلى مثل هذه المبادرات والأفكار، التي تزيل التوتر والاحتقان بين أفراد المجتمع، وتؤكد أن سورية لكل أبنائها بغض النظر عن أية انتماءات أو طوائف، وأن الجميع سيعودون إلى وطنهم ويسهمون معاً في إعادة بنائه.
وهناك مبادرات مماثلة تجري في أنحاء أخرى من محافظة الحسكة. مشروع "خطوة" للدمج المجتمعي في مدينة القامشلي يسعى لزيادة التفاعل الاجتماعي من خلال جمع مشاركين من مختلف المحافظات السورية.
وتقول مديرة المشروع زينب زبيدي في شرحها عن المبادرة أن الفكرة جاءت من خلال وجود وافدين من المناطق الساخنة إلى منطقة الجزيرة، التي تشهد أماناً نسبيا بالمقارنة مع غيرها، وباعتبار الوافدين يدخلون في بيئة ومجتمع جديد عليهم، كانت الحاجة لكسر الحواجز بين الوافدين والمقيمين، وتقريب وجهات النظر وتعرّف كل طرف على الآخر، هذه الأمور تتحقق كما تبين زبيدي من خلال دمج الوافدين والمقيمين في نشاطات مشتركة، مثل ورشات الرسم والتصوير الفوتوغرافي ومشاهدة الأفلام سوياً، إضافة إلى ورشات للدعم النفسي والاجتماعي وورشات تثقيفية.
وترى أن المشروع استطاع دمج وافدين من مختلف المحافظات، مثل دير الزور وحلب وحمص وريف دمشق مع أبناء المجتمع المحلي، وبالتالي خفف العبء على الوافدين الذين تركوا بيوتهم وأعمالهم ليستقروا في مناطق آمنة هرباً من النزاع المسلح. ترسيخ مفاهيم العيش المشترك، ونبذ الأفكار الغريبة عن بنية المجتمع السوري وفقا للقائمين على المشروع، هو الهدف الأسمى للمبادرة، مع تعزيز فكرة تقبل الآخر مهما كان جنسه أو دينه أو طائفته.
المتدربة في المشروع عهد النجار من حمص تقول: عانينا كثيراً في بداية قدومنا إلى القامشلي بسبب اختلاف العادات والتقاليد، وكانت هناك أمور كثيرة جديدة بالنسبة لي ولأولادي، الانخراط في المجتمع أصبح أكثر سهولة بالنسبة للوافدين، كما تؤكد النجار على أنه بعد الاشتراك في مبادرة "خطوة" استطعنا أن نعرّف الآخر علينا ونتعرف عليه، واكتسبنا صداقات جديدة وتوضحت لنا الكثير من الأمور. نحن بحاجة إلى مثل هذه المبادرات لأنها تدرب الجميع على تقبل وحب الآخر، والعودة جميعاً إلى محبتنا المتبادلة وعيشنا المشترك.