أقر مجلس الشيوخ البرازيلي، كما كان متوقعاً، عزل الرئيسة ديلما روسيف من منصبها ومحاكمتها، بتهمة انتهاك قوانين الموازنة العامة، من أجل إخفاء حجم العجز المالي للبرازيل، كي يكون بمقدورها زيادة حجم الإنفاق العام خلال حملة إعادة انتخابها عام 2014، وهي تهمة بعيدة كل البعد عن الفساد، ويقر معارضوها بذلك، لكنها بالتأكيد ارتكبت خطأ في مثل هكذا تصرف، علماً بأن العديد من الرؤساء السابقين في البرازيل أقدموا عليه في السابق دون أن توجه لهم أي تهمة.
لقد قبلت روسيف عندما ترشحت للرئاسة عام 2010، خلفاً للرئيس السابق لولا دا سيلفا، تحدي متابعة المسيرة الشاقة التي سار فيها سلفها من أجل انتشال عشرات ملايين البرازيليين من الفقر المدقع، ووضعت هذا الهدف شعاراً لحملتها الانتخابية، وكانت حينها لا تعد من قيادات الصف الأول أو التاريخية في حزب العمال (اليساري)، وتدين في ترشيحها ونجاحها للرئيس دا سيلفا، واستطاعت روسيف بالفعل تحقيق انجازات في الشق الاجتماعي، لكنها لم تترافق مع انجازات مماثلة في الشق الاقتصادي، ورغم اكتسابها الخبرة السياسة في ولايتها الرئاسية الأولى، إلى أنه بقي يأخذ عليها أنها لم تكن ماهرة سياسياً بما يكفي لسد الفراغ الذي تركه وراءه السياسي المخضرم دا سيلفا.
ولا تخلو الاتهامات التي يسوقها خصومها ضدها من عملية تصفية حسابات، مع روسيف وسلفها دا سيلفا ومع حزب العمال (اليساري)، فالحزب في السلطة منذ 13 عاماً، تحققت خلالها تغيرات هائلة في البرازيل، بانتشال الملايين من براثن الفقر، يقدر عددهم بـ 30 مليون شخص، وخاصة في مناطق الشمال الشرقي الأكثر فقراً، والتخفيف من التفاوت الحاد في توزيع الثروة، وتطبيق حزمة واسعة من الإصلاحات، وتحقيق نسب نمو عالية، وصفت بالقفزات، وكانت البرازيل من بين دول قليلة تأثرت على نحو محدود بالأزمة الاقتصادية العالمية وتداعياتها.
تستحق الرئيسة روسيف التضامن معها، في مواجهة التحامل عليها وعلى تاريخها، وعزلها وإخضاعها لمحاكمة، على أيدي خصومها المتهمين بالفساد، فالاتهامات تلاحق رئيس مجلس الشيوخ، رينان كالهيروس، والرئيس السابق للبرلمان إدواردو كونيا. والسيناتور إيسيو نيفيس، وفي مواجهة حملات اليمين عليها والمقربين من العسكر، ومن أجل فقراء البرازيل الذين تنفسوا الصعداء خلال 13 عشر عاماً من حكم اليسار، في ولايتين للرئيس السابق للرئيس دا سيلفا وما يقارب ولاية ونصف للرئيسة روسيف..
وإذا كانت روسيف قد أخطأت فلا يجوز أن تحاسب إلا بحدود خطأها، وليس على اتهامات يجري تضخيمها، ونرفع صوتنا عالياً إلى جانب السيناتور غليسي هوفمان، الرئيسة السابقة لمكتب روسيف، في رفض مبالغات خصوم روسيف التي أشبه ما تكون بالصورة كاريكاتورية، تصفها هوفمان بالقول "الأمر أشبه بعقوبة على مخالفة مرور بالإعدام".
(المقال يعبر عن رأي كاتبها)