وافق البرلمان التركي على اقترح تقدم به الحزب الحاكم لرفع الحصانة عن عدد من النواب — 138 نائباً — ينتمون إلى حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي؛ وذلك من القراءة الثانية؛ بهدف تعديل المادة ٨٣ من الدستور بحجة ما قالوا عنه "التورط في أعمال إرهابية"، وبعد الضغط على النواب الآخرين للحصول على الأصوات اللازمة لتمرير التعديلات، في خطوة جديدة لفرض مزيد من الإجراءات التعسفية ربما ستكون الاكثر قسوة على مستقبل الحياة السياسية في تركيا، تمهيداً لتصفية المعارضة وتكريس حكم الفرد على كافة مؤسسات الدولة.
وفي مشهد يعكس حجم ما وصلت إليه النخبة الحاكمة من انحدار سياسي وأخلاقي، وقف السلطان متبجحاً يشيد بالقرار الذي يمهد للإعلان عن انتخابات مبكرة للمرة الثانية في أقل من عام، في محاولة ربما تكون الأخيرة للحصول على الأغلبية المطلوبة لتغيير الدستور والانتقال الى النظام الرئاسي يكون فيه "الديكتاتور المتبجح" إماما للمتطرفين ويجعل من البلاد قِبلة للعنف والارهاب على غرار الخلافة العثمانية الدموية التي سيطرة على دول المنطقة بالحديد والنار ونهبت خيراتها على مدار أكثر من ثلاث مائة عام.
إجراءات البرلمان جاءت بالتزامن مع الإعلان عن اختيار شخصية جديدة من الشخصيات التي يحتفظ بها الوالي في كواليس مسرحه السياسي، فبعد غول وأوغلو وغيرهم من قيادات الإسلام السياسي التركي؛ يتصدر وزير النقل والاتصالات والملاحة البحرية "بن علي يلدريم" المشهد، مطيعاً للسلطان في تغيير الدستور والتحول الى النظام الرئاسي؛ متعهداً بالعمل "بالانسجام التام" مع رغباته ولن يمانع في فرض مزيد من الاستبداد على البلاد والعباد.
لم يعد في "تركيا اردوغان" أي ضوابط أو معايير تحكم الحياة السياسية وتحافظ على الحقوق والحريات، فحاشية السلطان باتت فوق القانون، ومسموح لها فعل كل شيء؛ ومؤسسات الدولة أضحت رهينة رغباتهم، من دون رقابة او وازع من الدين والاخلاق، بينما تضيق الحلقة وتتقلص المساحة أمام كل من لا سبح بحمده ويرى في ممارسات هؤلاء تهديد لمستقبل شعب بأكمله؛ فالمعارضة والاقليات ومعهما الإعلام، بين مطرقة الملاحقات غير القانونية وسندان الحرمان من ابسط الحقوق ويحاصرهم الخطر في كل مكان.
لم تكن "تركيا اردوغان" يوماً نموذجاً للدولة الإسلامية المعاصرة كما كان يرى البعض، فالمسلم الحق لا يقتل ولا يسمح بقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، ولا يهدر كرامة الانسان الذي سعت كل الأديان والدساتير والتشريعات والمواثيق الدولية إلى حمايته من المفسدين؛ ولا يتاجر بأرواح اللاجئين من أطفال ونساء وشيوخ؛ ولا يدعم الاٍرهاب ويذرع الفتن وينشر الفوضى والعنف ويروع الآمنين.
من يمارس كل هذه السلوكيات ويدعمها بسياسات ديكتاتورية يفقد كل معاني الشرف والصدق والأمانة في حماية الأمم من الأخطار، ويكون قد وصل الى مرحلة الانحدار الأخلاقي؛ وأبعد ما يكون عن الإسلام الذي حدد بوضوح عقوبة المفسدين في الأرض.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)