تفاقم ظاهرة الإرهاب تعود إلى تلك المعايير المزدوجة التي يتبناها الغرب ويروج لها في منطقة الشرق الأوسط، وتقسيم التنظيمات والجماعات إلى معتدل وغير معتدل، بهدف دعم فصائل ما يعرف بـ المعارضة المعتدلة للوصول إلى الحكم في دول المنطقة وبالتالي سهولة السيطرة عليها والتحكم في القرار السياسي. تلك السياسية تقف خلف ما يشهد العالم لا سيما المنطقة العربية من فوضى وعنف وإرهاب وحروب طائفية وتدمير للثقافة والحضارات المتجذرة في نفوس سكان المنطقة والتاريخ منذ آلاف السنين.
التحالف الدولي الذي يتكون من 60 دولة تسير في ركب الإدارة الأمريكية، يواصل محاولات تقسيم الجماعات الإرهابية، ووضعها لتحقيق مصالحها السياسية، ولا توجد لديها رؤية شاملة للقضاء على التطرف والعنف والإرهاب، لذلك فهي لم ولن تتمكن من تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع في مكافحة الإرهاب الدولي، حتى أصبحت كثير من النخب في المجتمعات المختلفة تتعاطى مع الظاهرة بنفس الازدواجية الغربية حتى عند التعاطف مع ضحايا العنف والتطرف والإرهاب.
وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي، في 11 مايو/أيار 2016، أشار إلى أن "قضية الإرهاب لم تعد تتوقف عند حدود، فنفس الفكر المريض الذي يقتل ضباطا مصريين يحمون مواطنيهم هو الذي يذهب ضحيته رواد المسارح في باريس والمسافرون من مطار بروكسل، فالتضامن مع كل روح بشرية واجب، بغض النظر عما إذا كانت تنتمي لدولة أوروبية أم عربية أم أفريقية، والتصدي للإرهاب المتفاقم، والذي نعده من التهديدات البارزة للسلم والأمن الدوليين واجب أيضا، ولو لم نشترك فيه جميعا فسيصبح التغلب عليه أمرا تنتابه صعوبات كبيرة".
واللافت تلك الدعوة التي دعا إليها الإعلامي المصري أسامة كمال، ووافقت عليها السلطات المصرية لمسيرة بالشموع والزهور لتخليد ذكرى 66 مواطنا من جنسيات مختلفة أغلبهم مصريين وفرنسيين، هم ضحايا الطائرة المصرية القادمة من باريس، والتي سقطت في البحر المتوسط فجر الخميس 19 مايو/أيار 2016 ، وتبدأ المسيرة من أمام النادي الأهلي وتنتهي في دار الأوبرا حيث النصب التذكاري لتخليد ذكرى الضحايا، على أن يتم نقله في وقت لاحق إلى محيط مطار القاهرة الدولي.
الدعوة طيبة والجميع يتضامن مع ضحايا الإرهاب والتطرف مهما كانت جنسياتهم، من هنا يطرح سؤال ألم يكن من الأفضل أن تشمل الدعوة كل ضحايا الإرهاب والتطرف الذين راحوا ضحية التطرف الذي هو نتاج سياسة الازدواجية في التعاطي مع التحديدات التي تواجه مستقبل كثير من المجتمعات.
في الحادث الإرهابي الذي استهدف الطائرة الروسية وراح ضحيته 224 من المواطنين الأبرياء، لم تكن هناك مسيرات لتأبين الضحايا ولم تخرج أي دعوات من الإعلاميين المصريين لتخليد ذكرى الحادث وللتعبير عن التضامن مع الشعب الروسي الصديق.
وفي الوقت الذي خرجت فيها جموع المواطنين الروس في مدينة سان بطرسبورغ بالشموع لتأبين ضحايا الحادث، كان منتجع شرم الشيخ يعج بالحفلات الغنائية لعدد من المطربين والفنانين المصريين والأجانب، وتخلى أصحاب تلك الدعوات عن كثير من المشاعر النبيلة، وفقدوا الكثير من سمات الحضارة المصرية العريقة، وتناسوا ذلك الإرث التاريخي الذي يجمع المصريين والروس وما يحمله من دعم في مواجهة التحديات.
رئيس المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم، وهي مؤسسة غير حكومية، الدكتور حسين الشافعي، أكد لـ "سبوتنيك" أنه كان هناك اقتراح لعمل نصب تذكاري لضحايا الطائرة الروسية على أن يتم وضعه في المكان المناسب، إما في مكان الحادث أو في مطار شرم الشيخ أو في أحد الأماكن الهامة لواحد من المنتجعات المصرية التي تحظى باهتمام المواطنين الروس الوافدين إلى مصر، موضحاً أن الاقتراح لم يلق أي استجابة من السلطات المصرية المعنية حتى اليوم رغم المحاولات المتواصلة.
التضامن مع أرواح شهداء الغدر والتطرف والإرهاب، أمر غير قابل للنقاش، فيما يظل على المجتمعات العربية التي تعاني من السياسات الغربية المدمرة، والنخب من المثقفين ورجال السياسة والإعلاميين المسؤولين أن يتبنوا رؤية واحدة بعيدا عن الازدواجية في مواجهة التطرف الفكري والإرهاب.
(المقالة تعبر عن رأي كاتبها)